قصة
١٦ يوليو ٢٠٢٥
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - اليمن: تعزيز النُظم المحلية لتحقيق أمن غذائي مستدام في اليمن
لطالما كانت أراضي اليمن الزراعية تمدّ الأسواق بتشكيلة واسعة من المحاصيل عالية الجودة، كالشمام، والذرة، والعنب، والخضروات، والحبوب.لكن التغيرات المناخية تسببت في جفاف الأراضي الخصبة، بينما أفرز أكثر من عقد من الصراع أزمةً غير مسبوقة، أصبح معها أكثر من نصف سكان البلاد في أمسّ الحاجة للمساعدات الإنسانية. لذا، بات إيجاد حلول عاجلة وطويلة الأمد أمرًا ضروريًا لتمكين المجتمعات من بناء أمنها الغذائي.تقع الزراعة في صميم هذه التحديات، لكن الصراع في اليمن أدى إلى تدهور اقتصادي كارثي، مما خلَّف أنظمة ريّ متضررة، وجعل المزارع عرضةً لشح المياه والفيضانات.في مديرية "المجحفة" بمحافظة لحج- التي كانت تشتهر في السابق بتنوع محاصيلها - اتخذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مع شريكه الوطني وكالة تنمية المشاريع الصغيرة والأصغر في اليمن، بدعم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، نهجاً متكاملاً، كجزء من مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية، بهدف تقوية سلاسل الإمداد الغذائي، وبما يخدم مصالح جميع الأطراف المنخرطة فيها. شح المياه يشكل تحدياً للزراعةيهدد التصحر ما يقارب 97% من الأراضي الزراعية في اليمن، في ظل تدهور سنوي يتراوح بين 3% و5% من الأراضي الصالحة للزراعة. وينعكس هذا بوضوحٍ في الفقدان التدريجي والجَسيم لقدرة البلاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء.يوضح علي ، أحد المزارعين من مديرية المجحفة، ذلك قائلاً: "نواجه كمزارعين صعوبات جمّة في ري أراضينا: فالمياه الجوفية شحيحة، وهطول الأمطار أمر نادر. كما أن التربة قاسية وجافة، مما يجعل زراعة المحاصيل أمراً صعباً."يُعدّ الاعتماد على طرق الري التقليدية، كالري بالغمر، أحد الأسباب الرئيسية لشُح المياه الجوفية في المنطقة. وفي الوقت ذاته، تواجه مديرية "المجحفة" جفافاً شديداً بسبب ندرة الأمطار، وزحف الكثبان الرملية، وارتفاع درجات الحرارة. تعزيز سلاسل الإمداد من أجل زراعة مستدامةتشمل الزراعة دورة إنتاج المحاصيل بأكملها، بدءاً من الحقل، وصولاً إلى المائدة. ويعتمد نجاح الحصاد على سلسلة من الأطراف المترابطة: المزارعون، وأصحاب المشاتل، وموردو المدخلات الزراعية، والمسوقون، وتجار التجزئة، والتعاونيات المجتمعية. فأي انقطاع في هذه السلسلة يهدد الأمن الغذائي.يشير وليد، مستشار لدى وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر، إلى أن "المشروع يسعى لدعم سلاسل الإمداد الغذائية، عن طريق ربط كل جهة فاعلة بالأخرى، بحيث تكمِّل إحداها عمل الأخرى."ويضيف: "من خلال ربط الفاعلين في السلسلة، نضمن استمرارية العمل، ونخلق فرص عمل في المناطق الريفية، كما نضمن توافر المحاصيل المتنوعة في السوق بشكل مستمر ودون انقطاع، مما يعزز الأمن الغذائي في المنطقة." الاستثمار في ممارسات أكثر استدامةتتخذ سلسلة الإمداد الزراعي من المزارعين نقطة انطلاق لها. وبفضل الدعم التقني والمالي، تمكّن عامر وأكثر من 50 مزارعاً- في المجحفة، محافظة لحج- من اكتساب المعرفة والمهارات الضرورية لرفع جودة إنتاجهم الزراعي، وزيادة غلّتهم، عن طريق اتباع ممارسات زراعية مستدامة.ويوضح عامر: "لم تكن لدي أي معرفة بأنظمة الري قبل التدريب، وكنت أعتمد بالكامل على الري بالغمر. هذه الطريقة لم تكن شاقة فحسب، بل كانت تستنزف المياه، وتستهلك أموالنا لشراء وقود المولدات."ويشرح عامر: "لقد تعلّمت استخدام أنظمة الري بالتقطير، والأسمدة المناسبة لمحاصيلي، وأعدت استثمار الأرباح من موسم الحصاد الحالي، لتحسين زراعتي في الموسم الذي يليه".كان شراء الشتلات يمثل تحدياً كبيراً آخر. ففي السابق، كان على المزارعين السفر إلى مناطق أخرى لشرائها، وهو أمر مكلف.ولتجاوز ذلك التحدي، قام المشروع بدعم ستة مشاتل محلية بأنظمة ري بالتقطير، وأغطية بلاستيكية للبيوت المحمية، لضمان نمو الشتلات على مدار العام.يقول هاني، صاحب مشتل: "تلقيتُ تدريباً حول كيفية المحافظة على الأصول وطريقة عرض الشتلات بصورة تزيد من المبيعات. التحسُّن كان واضحاً جداً؛ فالمزارعون أصبحوا قادرين على معاينة الشتلات واختيار ما يناسبهم من هنا، وبأسعار منخفضة، مع ضمان توافقها تماماً مع مناخ منطقتنا." ضبط الجودة لإنشاء سلاسل إمداد أقوىمعالجة جودة البذور والأسمدة ومعدات الري تعتبر خطوة حيوية أخرى نحو تحقيق الأمن الغذائي.كانت الخطوة التالية هي تحسين جودة المدخلات الزراعية كالبذور والأسمدة وشبكات الري.يتذكر حازم، وهو مزارع محلي، قائلاً: "في السابق، كنا نذهب لشراء البذور والأسمدة وشبكات الري، فنجدها متروكة في العراء، معرضة لأشعة الشمس والرياح والأمطار. ولذا كانت الأسمدة تتصلب وشبكات الري تتشقق وتتكسر."ساعد هذا المشروع مورّدي المدخلات الزراعية المحليين على الحفاظ على جودة منتجاتهم بشكل أفضل. وقد واجه هشام، أحد الموردين، صعوبة في تخزين المدخلات الزراعية التي يبيعها، ويوضح ذلك قائلاً: "ساهم المشروع بنصف المبلغ اللازم لبناء المستودع، بينما تكفلنا بالباقي".لقد أحدث هذا التدخل فرقاً كبيراً، إذ أصبح بإمكان المزارعين الآن شراء مدخلات زراعية "في حالة جيدة." من المزرعة إلى المستهلك: تضافر للجهودما إن يتم حصاد المحصول، حتى تبدأ مرحلة نقله إلى الأسواق. من خلال المشروع، حظي تجار التجزئة الصغار بدعم شمل عربات صغيرة (توك توك) وتقديم التدريب لهم.ويقول سالم: "أقوم بشراء المحاصيل من المزارعين ثم نقلها إلى الأسواق المحلية. وبفضل التدريب الذي تلقيته في التسويق وتوريد المحاصيل، فقد تحسّن دخلي."يساهم دعم التعاونيات في تعزيز المرحلة النهائية لسلسلة التوريد الزراعية.ويقول أنور، رئيس جمعية سعد المنتصر الزراعية التعاونية: "جمعيتنا ملتزمة بتعزيز القطاع الزراعي ومساعدة المزارعين على بيع وتصدير محاصيلهم."ويشير رئيس التعاونية إلى أن وجودها يقوم على القوة الجماعية، قائلاً: "ليس بوسع مزارع واحد أن يحقق التنمية بمفرده؛ ولهذا السبب تحديداً أُنشئت التعاونية."بالإضافة إلى تدريب القائمين عليها، زوّد المشروع التعاونية بجرار زراعي، مما أسهم في توسيع أنشطتها بالمنطقة، ومكّن المزارعين من حراثة أراضيهم بتكلفة معقولة. الاستثمار في رأس المال البشري من أجل مستقبل مستدامتعتمد قوة سلسلة التوريد الزراعية- بشكل كامل- على الأفراد المشاركين فيها. فبفضل معارفهم ومهاراتهم وخبراتهم، تصبح السلسلة أكثر تماسكاً ومرونة.إنّ تقديم تدريب شامل لكافة حلقات السلسلة يُشكل استثماراً في رأس المال البشري، وفي مستقبل الأفراد. فالمزارع لم يعد بمفرده قادراً على زيادة الإنتاج، وتحسين الجودة، وتنويع المحاصيل؛ بل بات كل طرف فاعل اليوم مؤهلاً لإدارة عملياته بثقة أكبر في مواجهة التحديات.إن التركيز على رأس المال البشري- ضمن سلسلة التوريد- يُعد ضرورة حتمية لتحقيق الاستدامة، ويشكِّل ركيزة أساسية للأمن الغذائي وصمود المجتمعات الريفية. يدعم مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن حزم من التدخلات الجغرافية، والتي تشمل التحويلات النقدية المراعية للتغذية وبرامج العمالة المؤقتة، بينما يحسن الوصول إلى سبل العيش المستدامة والخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية للمناطق المتأثرة بالجوع وسوء التغذية والآثار السلبية المتعلقة بتغير المناخ. يتماشى هذا المشروع مع نهج البنك الدولي لتحسين الأمن الغذائي لليمنيين.بتمويل ودعم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، يتم تنفيذ مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن بقيمة 232.9 مليون دولار أمريكي من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة، ووكالة تنمية المُنشــآت الصغيرة والأصغر بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن.
