المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: عكس التيار - قاسم يشق طريقه نحو الصمود
-
معظم النازحين في الخوخة، مثل قاسم البالغ من العمر 31 عاماً، يكسبون عيشهم من خلال العمل كصيادين أو سائقي سيارات أجرة. إن سبل عيشهم معلقة بخيط رفيع بسبب انهيار الاقتصاد في اليمن الذي مزقته الحرب. وعندما التهم الحريق مأواه، كان على قاسم أن يبذل الكثير من الجهد ليقف على قدميه مجدداً. وتُمَثِّل قصته نموذجاً لصمود أكثر من 4.5 مليون نازح داخلياً في جميع أنحاء البلاد.
المخاء، اليمن – بعد فترة وجيزة من نزوحه قبل ثلاث سنوات، وجد قاسم نفسه يتصارع مع واقع الحياة القاسية في مأوى مؤقت في مديرية الخوخة، الواقعة في محافظة الحديدة باليمن.
ويوضح قاسم، وهو أبٌ لخمسة أطفال: "نتلقى مساعدات، لكنها لا تلبي احتياجاتنا، وهي بالتأكيد لا تكفي لجميع النازحين. إنه كفاح مستمر."
ويعاني حالياً أكثر من 4.5 مليون نازح داخلياً جراء آثار الصراع الذي مضى عليه عقدٌ من الزمن في البلاد. ويفتقر أكثر من 80% من اليمنيين إلى إمكانية الحصول على ما يكفي من الغذاء أو المياه أو المأوى بسبب الأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
العيش على الحافة
وفي ظل عدم قدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، فإنهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء. ويعيشون في مآوي بسيطة مبنية من الخشب والقش، مما يجعلهم عرضةً لعوامل الطقس وفي حاجة ماسة إلى الدعم.
وفي أحد الأيام، عاد قاسم وزوجته عائشة إلى مأواهما حيث واجها حادثاً مدمراً. فعندما بدأت الزوجة بإعداد وجبة دافئة للأطفال، هبت رياح قوية وحملت ألسنة اللهب واشتعلت جدران مأواهم المصنوع من القش.
قال قاسم: "حاولت إطفاء الحريق على الفور ولكن لم أتمكن من السيطرة عليه."
وبينما بدأ بفصل المأوى الملاصق لمأواه بمساعدة جيرانه لمنع اشتعال النيران فيه، سمع قاسم صراخ إحدى بناته. وأردف قائلاً: "كانت لا تزال محاصرة في المأوى المشتعل. لم يكن بوسعي فعل شيء سوى الركض بين النيران لإنقاذها. التقطتها وركضت إلى الخارج."
"لحسن الحظ، تَمَكَنَّا من الهروب من الحريق، لكن ذلك جعلني أدرك أننا نعيش في بيئة خطيرة. لقد أصبح الطبخ خطراً يومياً وليس مجرد عمل روتيني."
بارق أمل
شاهدت الأسرة في ذعر النيرانَ تلتهم مأواهم الوحيد، ليفقدوا كل ما يمتلكونه. كان عليهم أن يبدؤوا من جديد بدون مأوى. فقد التهمت الحريق ما تبقى لهم من نقود، التي غالباً ما يحتفظ بها النازحون داخلياً في مآويهم. وبعزم على إعادة بناء حياته وإعالة أسرته، بدأ قاسم يبحث عن طريق للمضي قدماً.
وفي ظل تعطل وحدة الدفاع المدني بسبب الصراع القائم وعدم وجود محطة إطفاء أو مركز لإعادة تعبئة طفايات حريق، اضطر المجتمع إلى ابتكار طرق مستدامة للتخفيف من حدة المشكلات المتعلقة بالحرائق. وبعد التعرف على التحديات وحوادث الحرائق التي تواجهها العديد من مجتمعات النازحين على الساحل الغربي، اتخذ فريق إدارة المخيمات التابع للمنظمة الدولية للهجرة إجراءات حاسمة.
ولتلبية هذه الاحتياجات، قدمت المنظمة الدولية للهجرة المساعدات النقدية لبناء المطابخ، لدعم الأسر النازحة في الخوخة لبناء مساحات آمنة للطهي والحد من مخاطر تفشي الحرائق. وقد نتج عن هذا الدعم انخفاضاً ملحوظاً بنسبة تزيد عن 90% في حوادث الحرائق المُبلغ عنها داخل مواقع النازحين.
التخفيف من الحرائق
وقد خلقت هذه المبادرة فرص عمل للنازحين، حيث زودت المجتمعات بالأموال التي كانت في أمس الحاجة إليها، وساهمت في تنشيط السوق المحلية. وقد شارك النازحون مشاركةً فاعلة في بناء مطابخهم بتوجيه من فريق إدارة المخيمات، لضمان الالتزام بمعايير السلامة.
وقد حفَّزت هذه المبادرة إحساساً متجدداً بالمشاركة المجتمعية، وعززت الشعور بالاعتماد على الذات. وأصبحت الأسر مساهماً فاعلاً، حيث شاركت في تبني المشروع لإعادة بناء حياتها وضمان نجاح المبادرة واستدامتها.
وسرعان ما أصبحت المطابخ المحسنة شريان حياة. ويمكن للأسر الآن إعداد الطعام في أي وقت دون الخوف من المخاطر التي قد تتسبب بها الرياح العاتية. ولم تصبح هذه المطابخ مجرد مساحات للطبخ بل أماكن متسمة بأنشطة الحياة اليومية، مما عزز الشعور بالحياة الطبيعية وسط تحديات النزوح.
ففي عام 2023 فقط، استفادت أكثر من 1,100 أسرة نازحة من أنشطة تحسين المطابخ التي قامت بها المنظمة الدولية للهجرة، التي ولَّدَت إحساساً جديداً بالأمن والسلامة ظل مفقوداً لفترة طويلة. فقد أصبحت هذه المطابخ مساحات تتسم بالأمان والهدوء، مما يسمح للأسر بالطهي وهم مرتاحي البال.
"لقد تلقينا أكثر من مجرد مأوى في ذلك اليوم. لدينا الآن شعور متجدد بالكرامة والأمان."