يتحول مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن إلى الطاقة الصديقة للبيئة بشكل كامل
--
لا يزال اليمن يشكّل إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يؤثر الصراع المستمر سلباً على قدرة الناس على الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الحصول على الطاقة الكهربائية التي يمكن الوثوق بها. عانى المواطن اليمني من انقطاع التيار الكهربائي لسنوات متواصلة، مما أثر سلباً على جميع نواحي الحياة. أضف إلى ذلك، ارتفعت أسعار مادة الديزل بشكل مهول، والتي غالباً ما تُستخدم كبديل لتشغيل شبكات الطاقة الكهربائية ويصاحبها آثار بيئية سلبية، تاركةً الكثيرين غير قادرين على الوصول إلى الكهرباء.
مثالاً يُحتذى به
يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جاهداً في جميع أنحاء اليمن لتقديم الدعم للناس والمجتمعات من أجل تجاوز معضلة عدم قدرتهم على الحصول على الطاقة الكهربائية من خلال توفير حلول الطاقة الشمسية والكهرومائية وخيارات الطاقة المتجددة الأخرى. في ظل تواجد واسع له على الأرض، بإمكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دعم الشعب اليمني باستمرار، فضلاً عن أن يكون مثالا يحتذى به في الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقليل الآثار البيئية الى أدنى مستوى.
في عام 2017، بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البحث عن الحلول المتاحة لتغذية المكتب القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن بالطاقة الصديقة للبيئة. لم تكن المهمة سريعة ولا سهلة. فبالنسبة لمكتب البرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، والذي يتخذ من صنعاء مقرا لمكتبه الرئيس، والذي يحوي مكاتب منظمات أممية أخرى، فقد استغرقت تلك الرحلة ست سنوات، وصولاً إلى سبتمبر/أيلول 2023. أخيراً، تحقق الحلم وأصبح كامل المجمع يعمل بالطاقة الشمسية بنسبة 100 بالمائة.
بيئة مثالية من أجل طاقة نظيفة
يتميز اليمن بموقعه، وتضاريسه، ومناخه المثالي للتحوّل السهل والمجدي إلى الطاقة المتجددة. مع أكثر من 2,000 كيلومتر من السواحل، إلى جانب ضغط التيار المائي القوي في مضيق باب المندب، تتمثل هناك فرصة هائلة لاستغلال تكنولوجيا التوربينات لإنتاج الطاقة النظيفة. معدل أشعة الشمس العمودية في جميع أنحاء اليمن هو ثمان ساعات تقريباً، وهو الحال المناسب لتوظيف حلول الطاقة الشمسية. توفر المساحات الصحراوية الشاسعة في شرق اليمن بيئة مثالية لكل من حلول الطاقة الشمسية والحرارية، فضلا عن توربينات الرياح.
ووفقاً للمهندس أشرف، وهو عضو فريق مشروع الطاقة الشمسية التابع للمكتب القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، فإن "اليمن، وخاصة صنعاء، هي واحدة من الأماكن في العالم التي تتمتع بمستوى جيد من أشعة الشمس والطقس البارد بشكل غير عادي، مما يجعلها فعّالة للغاية لتوليد الطاقة الشمسية".
وبالنظر إلى ذلك، أجرى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحليلاً للجدوى وتقييماً للاحتياجات لمكتبه في صنعاء بما في ذلك مكاتب المنظمات الأممية الأخرى ضمن المجمع، والتي يزودها بالطاقة الكهربائية. تم النقاش مع الزملاء من أنحاء العالم، واتفقوا جميعاً على جدوى تغذية المكتب بالطاقة الشمسية، باعتباره الحل الوحيد، العملي، والمستدام.
بالرغم من استفادته جزئياً في صنعاء وعدن من الطاقة الشمسية، إلا أن البرنامج اتخذ القرار بالتحوّل تماماً إلى الطاقة الشمسية في مكتبه الرئيس في صنعاء. وسرعان ما بدأ الجهود في تركيب مئات الألواح الشمسية في موقف السيارات الواسع والذي تتجاوز مساحته 3,000 متر مربع، وهو ما يعادل مساحة ستة ملاعب كرة سلة. سيقي المبنى الإنشائي الذي يحمل الألواح الشمسية سيارات الموظفين والزوار من أشعة الشمس الحارقة، بل ويقلل من تلوث الهواء والضوضاء في الحي إضافة الى مهمته الرئيسية في توليد طاقة نظيفة صديقة للبيئة.
رحلة شاقّة لتحقيق المستحيل
مع بداية التنفيذ، بدأت التحديات تظهر وتتعاظم خصوصاً عند تنفيذ مشروع بهذا الحجم في خضم الصراع المستمر.
استغرق الأمر وقتاً طويلاً للحصول على الموافقات الرسمية وكذلك الوقت اللازم لوصول المعدات إلى اليمن، مما أدى إلى تمديد الجدول الزمني للمشروع، الأمر الذي مثّل اختباراً لصبر المهندسين المنفذين. كان على شحنة المعدات أن تمر في عدة مراحل صعبة وأن تواجه توقيفات عدة قبل وصولها الى وجهتها بسلام.
بالإضافة إلى ذلك، أحتاج الشركاء المحليون إلى بناء قدراتهم لتعزيز مهاراتهم المتعلقة بتركيب معدات الطاقة الشمسية، الأمر الذي تطلب اعداد وتنفيذ دورات تدريبية عبر الإنترنت للمهندسين المختصين. استغرق هذا وقتاً، لكنه كان إجراءً مهما ليصبح جميع شركاء المشروع على اطلاع على أحدث التقنيات وجاهزين للتنفيذ. ولعدم قدرة الشركاء والمهندسون من السفر نتيجة للصراع الدائم، تم الاتصال والتوجيه من خلال الفيديو عبر الانترنت والعمل مع المهندسين في صنعاء عن بُعد.
"كنت متخوفا بشأن كيفية نجاح ذلك، بالنظر إلى التحديات"، يعترف رياض، وهو مهندس عمل في المشروع.
دعم المقر الرئيس لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في كوبنهاجن المرحلة الأولى من المشروع في عام 2019، والتي تضمنت منظومة البطاريات مع أجهزتها المرافقة بقدرة تخزين 307 كيلووات (kWh) من الطاقة. وبالإضافة إلى ذلك، ساعد الزملاء في كوبنهاجن في عملية شراء مختلف الأصناف اللازمة. لقد لبى هذا النظام جزئياً احتياجات المكتب اليومية من الطاقة بفضل قدرته على توليد الطاقة البالغة 100 كيلوواط، وهو ما يكفي لتشغيل الأحمال المهمة.
ما أن أضاءت المصابيح حتى أخذ رياض نفساً عميقاً فرحاً – فقد آتت شهوره من الدراسة والعمل والصبر ثمارها.
وقال مسروراً: "نجاح باهر! يبدو أن كل شيء على ما يرام". وأضاف: "أشعر بسعادة غامرة بهذا الإنجاز."
لكن مع بداية 2020، حلت جائحة فيروس كورونا COVID-19 ليتوقف كل شيء.
العودة من جديد
ومع تخفيف القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا في أغسطس 2021، اجتمع فريق العمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وحدد المكونات الأساسية المطلوبة لإكمال المشروع بناء على خبرته الواسعة.
تم تصميم هيكل التركيب الفولاذي لتحمل الظروف البيئية القاسية، بما في ذلك الرياح العاتية، والأمطار الغزيرة، والسيول. تضمّن ذلك الارتفاع والموقع الأمثل لتموضع الألواح الشمسية بحيث تتعرض لأشعة الشمس لأكبر وقت ممكن وأنسب تعامداً. بالإضافة إلى ذلك، تم تركيب عاكسات معدنية في أعلى الهيكل وأسفل الألواح الشمسية للاستفادة من تكنولوجيا الوجهين للألواح الشمسية. تعمل هذه التقنية على تحسين كفاءة اللوحة بنسبة 15٪ تقريباً.
كذلك، تم بناء غرفة مناسبة للتحكم ولاستيعاب بنك البطاريات بشكل استراتيجي فوق غرفة المولد، مما يحقق الاستخدام الأمثل للمساحة المحدودة.
وحانت لحظة الحقيقة!
في أغسطس 2023 وبعد رحلة طويلة وعدة عقبات، وصلت الشحنة الأخيرة والمكملة للمشروع وهي بنك البطاريات. تم تركيبها وتم الإعلان في 10 سبتمبر 2023 عن اكتمال المشروع وتشغيل المكتب بالطاقة الشمسية بنسبة 100٪.
مشروع استثنائي
تُقدر الفائدة المالية للسنوات العشر الأولى من العمر التشغيلي للمشروع حوالي 3 ملايين دولار أمريكي. خلال خمس سنوات فقط سيتم تحقيق العائد الاستثماري كاملاً.
يعزز المشروع سلامة المجتمع المحيط به من خلال توفير الإضاءة الدائمة خلال ساعات الليل. ومن خلال توفير أكثر من 36 ألف جالون من الديزل سنوياً، سيساهم المشروع في تقليل أكثر من 150 طناً مترياً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
يساهم مشروع الطاقة الشمسية الجديد لمكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في صنعاء في تحقيق خمسة أهداف للتنمية المستدامة، مما يسلط الضوء على ما تم إنجازه رغم صعوبة الأوضاع وتعدد التحديات. تأتي الأهداف كالتالي:
--> الهدف 7: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة
--> الهدف 9: الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية
--> الهدف 11: مدن ومجتمعات محلية مستدامة
--> الهدف 12: الاستهلاك والإنتاج المستدام
--> الهدف 13: العمل المناخي