إيمان هادي، بطلة المناخ اليمنية، تشارك في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP27)
من ريف اليمن إلى العالمية
يُشكل تغير المناخ تهديداً عالمياً وحلقة مفرغة، حيث يُسهم في انعدام الأمن الغذائي، والجوع، والفقر – لا سيّما في المجتمعات المُعرضةً للخطر. وتزيد الكوارث المرتبطة بالمناخ من مكامن الضعف والمخاطر لأنها تُعطل سبل العيش، وتؤثر بشكل كبير على حقوق الإنسان، وتُعرّض الحياة للخطر في جميع أنحاء العالم.
يتعرض الوضع الإنساني والتنموي الصعب في اليمن، الذي يشهد تدهوراً اجتماعياً واقتصادياً، لمزيد من التهديد بسبب تغير المناخ، حيث تسببت الكوارث الطبيعية المتكررة في البلاد والأمطار الغزيرة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة في حدوث جفاف شديد وفيضانات شديدة في جميع أنحاء البلاد. وشهدت السنوات الأخيرة مستويات متزايدة من الوفيات والدمار، وانتشار للأمراض المعدية لم يسبق له مثيل، إلى جانب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالأراضي الزراعية والذي أثر بشكل سلبي على الاقتصاد وسبل العيش - لا سيما في المناطق الريفية.
إلى جانب ذلك، بسبب الصراع الذي طال أمده في اليمن، يمتلك اليمنيون - وخاصة النساء - القليل من الوسائل للتكيف مع تغير المناخ والاستجابة للصدمات المتكررة والجديدة. وغالباً ما تكون النساء الأكثر تعرضاً لتبعات تغير المناخ مع قدرة ضئيلة أو معدومة للوصول إلى الموارد مثل المياه، والطاقة، أو رأس المال.
وعلى الرغم من ذلك تعمل إيمان هادي وأعضاء فريق مشروعها لشبكة الطاقة المكوّن من تسع نساء أُخريات على تغيير هذا الواقع في ريف اليمن.
المرأة الريفية تسهم في رفع قدرة المجتمعات على التكيّف مع التغير المُناخي
لم تكن إيمان هادي تعرف كثيراً إلى أي مدى ستتغير حياتها عندما قدّمت هي وتسع نساء أخريات خطة مشروع إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ضمن البرنامج المشترك لدعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن (الصمود الريفي)، واقترحن تشغيل وإدارة محطة للطاقة الشمسية في عبس، وهي واحدة من أكثر المناطق المعرضة للخطر والواقعة في الخطوط الأمامية للنزاع في شمال اليمن.
خلال السنوات الأربع الماضية، نجحت إيمان وشريكاتها في بناء أول محطة خاصة للطاقة الشمسية على الإطلاق لتوفير كهرباء نظيفة وبأسعار رخيصة لـ 53 أسرة ذات الدخل المنخفض في مجتمعهن. أدى هذا الحل اللامركزي للطاقة الشمسية إلى تحسين الوصول إلى الطاقة وتقليل تأثير إنتاج الطاقة على البيئة الهشة بالفعل.
منذ بداية المشروع، ساهمت محطة الطاقة الشمسية في خفض 34,560 كيلوغراماً من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHGs)، وهذا ما يُعادل انبعاثات سيارة ركاب تعمل بالبنزين سارت مسافة 85,785 ميل، أو 38,238 رطل من الفحم المحترق. كما تسمح المحطة بخلق فرص عمل وتحسين سبل عيش المجتمع المستهدف. والأهم من ذلك، ساعد نموذج الأعمال المراعي للنوع الاجتماعي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإزالة العقبات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمنع النساء من المشاركة في تدابير التكيف مع تغير المناخ.
مؤتمر المناخ في دورته السابعة والعشرين: إلهام الآخرين في مواجهة الشدائد
بعد رحلة مرهقة استمرت أربعة أيام من قريتها في عبس، تمكنت إيمان من الوصول إلى شرم الشيخ للمشاركة كعضو في مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ (COP27). حلمٌ لم تكن لتتخيله قبل أربع سنوات.
ألهمت إيمان المئات بقصتها أثناء مشاركتها في ثلاث جلسات مختلفة، ظلت فيها متواضعة، تفكر في زميلاتها اليمنيات وعلى وجه التحديد كيف يتحدى فريقها التقاليد والقوالب النمطية المحافظة حول النساء وإنشاء وإدارة مشاريعهن الخاصة.
كما تحدثت عن الدور الريادي للمرأة في مواجهة تغير المناخ وألهمت القادة الشباب الآخرين العاملين في مجال المرونة المناخية وحماية البيئة، كانت إيمان تنظر إلى الصورة الأكبر وتتطلع لمستقبل أكثر إشراقاً في اليمن حينها أشارت أنّ "حلول الطاقة الشمسية يمكن أن تُعزز التكيف على المدى الطويل في اليمن، وتولد طاقة مستدامة، وتخلق فرصًا لكسب العيش، وتحل مشكلة مخاطر المناخ."
شاركت إيمان أيضًا في جلسة في جناح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وناقشت كيف يمكن للنوع الاجتماعي والابتكار والتكنولوجيا معالجة مخاطر تغير المناخ، وقالت: "آمل بصدق أن أنقل صوت جميع النساء اليمنيات، وليس صوتي فقط".
وعلى الرغم من الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أشارت إيمان إلى أن شيئاً واحدًا أثبته مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف وهو أننا: "نعاني جميعًا من نفس المشكلات – لا سيما الخطر الوشيك لتغير المناخ، لذا يجب علينا جميعًا اتخاذ إجراءات فورية! "
من بداياتٍ متواضعة إلى رائدة أعمال
في عام 2019، بدأت إيمان البالغة من العمر أربعين عاماً حياتها المهنية كمديرة لمحطة صغيرة للطاقة الشمسية ذات سعة محدودة، على أمل مساعدة العديد من أفراد المجتمع في الحصول على كهرباء في ظل انقطاع الكهرباء العمومية وارتفاع أسعار الوقود من خلال محطة الطاقة الشمسية التي حصلت عليها من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الى جانب التدريب على إدارة المشاريع بالإضافة إلى الرعاية المتخصصة اللازمة مثل صيانة البطاريات.
كانت البداية صعبة، وكان على إيمان التغلب على العديد من التحديات - المالية والاجتماعية. توضح إيمان: "لم يكن من السهل إطلاق المشروع". وأشارت: "لقد مررنا بالكثير لتأسيس هذا المشروع نظراً لوجهة نظر اليمنيين تجاه المرأة العاملة"، لم تكن إيمان بغريبة عن المواقف الصعبة - مثل ستة ملايين يمني نازح، اضطرت هي أيضاً إلى الفرار من منزلها لتجنب الصراع المسلح. لكنّها، مثل الكثيرين، عرفت أنها تريد إعادة تأسيس حياة لها ولأسرتها؛ كان لديها أحلام كبيرة.
نمت هذه الأحلام بمرور الوقت، كما نما شعور إيمان بالالتزام تجاه مجتمعها، واصلت العمل بجد واجتهاد، واستثمرت بحكمة شديدة نصيبها من أرباح الشبكة الصغيرة للطاقة الشمسية لتوسيع مشروعها، لم تتوقف إيمان عن الحلم، ولم تضعُف عزيمتها، واصلت العمل في مشروعها وكلها أمل وثقة أنّها يوماً ما ستكون ما أرادت وسيُترجم حلمها على أرض الواقع.
اليوم، وسّعت إيمان مشروعها وساعدت أفراد مجتمعها على بدء مشاريعهم التجارية وخلق فرص عمل لآخرين من خلال منح قروض صغيرة، لقد تمكّنت من تغيير المشهد في مجتمعها بقرض واحد في كل مرة - مما أدى إلى تعزيز الوضع الاقتصادي في المجتمع وإعادة الأمل والكرامة إلى الكثيرين في المجتمعات المستهدفة المتضررة من الصراع .
ما لم تتوقعه إيمان أنها ستنجح أيضاً في تغيير الدور التقليدي والطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى المرأة. قبل إنشاء المحطة الصغيرة للطاقة الشمسية، كان المجتمع والآخرون يُشككون في قدرة المرأة على إدارة المشروع، ولكن من خلال العمل الجاد والصبر والمثابرة والحس التجاري الجيد أصبحت إيمان ركيزة تحظى باحترام كبير وحب في مجتمعها.
لقد غيرت بمفردها صورة المرأة في الريف اليمني، وحققت إيمان نجاحاً أُشيد به عندما تم اختيار مشروعها في 2020 لجائزة آشدن المرموقة للطاقة الإنسانية. بدلاً من الديزل الذي يكلف 42 سنتاً في الساعة، تكلف الطاقة الشمسية سنتان فقط، مما يمكّن الشخص العادي من الوصول إليها، بتخفيض تكلفة الطاقة بنسبة 65 في المائة، توفر الشبكات الصغيرة للطاقة الشمسية مصدراً بديلاً ونظيفًا ومتجددًا للطاقة يسمح للمنازل والمشاريع الريفية بتحمل تكاليف الكهرباء دون انقطاع لساعات.
نجاح إيمان لم يتوقف عند هذا الحد! في عام 2020، تم اختيارها ضمن قائمة بي بي سي لأكثر 100 امرأة تأثيراً في العالم لتعزيز التغيير الإيجابي، وإحداث فرق في الأوقات المتقلبة في اليمن، وتوفير كهرباء نظيفة ومنخفضة التأثير.
دور البرنامج المشترك في التكيف المناخي في اليمن
قبل اندلاع الصراع في عام 2015، كان 23% فقط من اليمنيين يحصلون على الطاقة، أدت الأزمة إلى تعميق المشكلة حيث استمر ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري وزاد الحظر في صعوبة الحصول عليه. كانت الأُسر الريفية التي لا تحصل على الكهرباء - وتمثل 75 % من إجمالي السكان - تستخدم أجهزة إضاءة بديلة مثل مصابيح الكيروسين (حوالي 67 %) وغاز البترول المسال (حوالي 5 %) والتي لها تأثيرات شديدة على البيئة.
قبل الأزمة، كانت تكلفة 20 لتراً من الديزل 7 دولارات أمريكية؛ اليوم يكلف ما يصل إلى 40 دولاراً أمريكياً، وغالباً ما يصعب الحصول عليه، ولكنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مكّن المجتمعات من الحصول على طاقة ميسورة التكلفة من خلال تطبيق حلول فريدة من نوعها ومنخفضة التكلفة ومستدامة للشبكات الشمسية.
في إطار البرنامج المشترك (الصمود الريفي) الممول من الاتحاد الأوروبي (EU) والوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (Sida)، دعم البرنامج المشترك التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مجموعة من المبادرات اللامركزية خارج الشبكة. ويشمل ذلك، على سبيل المثال، تركيب منظومات الطاقة الشمسية لمجموعة من الخدمات العامة مثل المدارس ومراكز الرعاية الصحية والمكاتب مع العمل أيضًا على المساعدة في تطوير نماذج الأعمال التي تُمكّن من توليد الدخل لليمنيين الريفيين.
منذ 2019 وحتى الآن، تم دعم أكثر من 196 من مراكز الخدمات العامة بمنظومات طاقة شمسية، مما أفاد عشرات الآلاف وساعد المراكز الخدمية باستئناف الأعمال في أوقات حرجة مثل تفشي الكوليرا ووباء كوفيد 19،كذلك في إطار المشروع، عزز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الوصول إلى طاقة أرخص وأنظف بين المجتمعات الريفية والفقيرة المتأثرة بالصراع.
حالياً، تُنفذ المرحلة الثالثة من البرنامج المشترك لدعم سبل العيش والأمن الغذائي والتكيف المناخي في اليمن بهدف تعزيز صمود السكان في المحافظات الأكثر ضعفًا في اليمن. يدعم البرنامج المشترك الذي تبلغ قيمته 49 مليون دولار أمريكي خلق فرص لكسب العيش المستدامة من خلال تعزيز الأمن الغذائي، والتوظيف، واستعادة الأصول المجتمعية، والخدمات الاجتماعية الأساسية، وسلاسل القيمة الزراعية، والمساواة بين الجنسين، والتمكين الاقتصادي للمرأة، فضلاً عن الوصول إلى الطاقة المتجددة.
يتم تنفيذ البرنامج المشترك بدعم من الاتحاد الأوروبي (EU) و مملكة السويد لمدة ثلاث سنوات (مارس 2022 - فبراير 2025) بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنظمة العمل الدولية (ILO) وبرنامج الغذاء العالمي (WFP).