كلمة المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي في مجلس الأمن بشأن الوضع في اليمن
أبرز البيان، الذي تم إلقاؤه في 17 يونيو، الصعوبات التي يواجهها البرنامج في تقديم المساعدة الإنسانية في البلد الذي مزقته الحرب
أتمنى أن يأتي اليوم الذي أحضر فيه إلى هنا لأقول لكم أخباراً عظيمة ...
نهاية النزاع ... أطفال يتمتعون بالصحة ويحصلون على التغذية السليمة ...
ولكن للأسف، اليوم ليس هو ذلك اليوم المنشود.
الوضع الإنساني في اليمن في حالة متردية.
على الرغم من المعاناة الشديدة لعشرين مليون يمني ممن يفتقرون إلى الغذاء الكافي، لا نزال نواجه مقاومة شرسة حتى يتسنى لنا فقط القيام بمهمتنا للحفاظ على حياة الناس...
قد تتذكرون أنني في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017 قد تحدثت علناً منتقداً بشدة الحصار الذي فرضه الائتلاف على الحُدَيْدَة ونقص التمويل الإنساني وغياب الدعم لدرء ويلات الحرب.
وفي ذلك الوقت أعربت لي سلطات "الحوثيين" عن مدى امتنانها لتصريحي هذا.
أخبرتهم حينها: الأمر ليس له أَيَّة علاقة بكم.
وذكرتُ أن الأمر يتعلق فقط بعمل ما هو صواب، وبالمهمة الإنسانية التي يضطلع بها برنامج الأغذية العالمي لنقوم بكل ما في وسعنا للوصول إلى أولئك الذين يحتاجون لمساعدتنا بشكلٍ حيادي ونزيه ومستقل.
كما أخبرتهم: إن حدث يوماً وتَجاوزتم الحدود سأصرح بهذا، فأفعلوا الصواب.
واليوم، يحزنني أن أبلغكم أن برنامج الأغذية العالمي يتم منعه من تقديم الغذاء للأشخاص الأكثر معاناة من الجوع في اليمن.
المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة يتم تحويل مسارها في المناطق التي تسيطر عليها جماعة "أنصار الله" على حساب الأطفال والنساء والرجال الذين يعانون الجوع.
دعوني أتوقف هنا لأوضح واحدة من المهام الرئيسية التي يقوم بها البرنامج. ألا وهي تحديد الفئات الأكثر احتياجاً لمساعدتنا.
لا يهم أين نعمل، بل ينبغي أن نكون قادرين على العمل باستقلالية لنتمكن من تحديد أولئك الذين يحتاجون المساعدة والتحقق من هوياتهم.
كما يجب علينا وضع أنظمة رصد لضمان وصول الأغذية بالفعل لأولئك الأشخاص المحتاجين. وهذا التزام آخر من التزاماتنا.
وتساعدنا تلك الأنظمة على ضمان أنه لا يمكن للآخرين أن يحرموا هؤلاء الأشخاص من الغذاء الذي يستحقونه للبقاء على قيد الحياة، وأن الغذاء الذي نقدمه لا يخدم الأجندات السياسية.
تعمل تلك الأنظمة على حماية الأشخاص الذين نقدم لهم الغذاء.
كما تضمن هذه الأنظمة أن المبادئ الإنسانية الأساسية يتم تطبيقها وأننا مسئولون أمام الجهات المانحة لنا وأمام العالم.
وطوال العامين الماضيين ظللنا نتحدث مرارًا وتكرارًا إلى جماعة "أنصار الله" بأننا تساورنا المخاوف من مقاومتها لعملياتنا التي تتميز بالحيادية والاستقلالية.
لم يكن الأمر متعلقاً فقط بمسألة التسجيل (تسجيل المستفيدين).
لقد كانت تواجهنا أيضاً مشاكل بشأن استيراد المعدات واعتماد الموافقة على تأشيرات السفر لموظفينا وغيرها من القضايا العديدة.
ظللنا نطرح تلك القضايا مراراً وتكراراً!
وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، بدأنا المفاوضات الرسمية مع سلطات صنعاء لتتيح لنا الفرصة لتحديد الأشخاص الأشد جوعًا وتسجيلهم من خلال النظام البيومتري (نظام تسجيل المستفيدين بالبصمة).
إلا إن المحادثات التي استغرقت أشهر عديدة لم تسفر عن أَيَّة نتائج، وأثناء المحادثات التي أجريناها مراراً وتكراراً تَبَيَّنَ لنا في أواخر عام 2018 وجود أدلة خطيرة على تحويل مسار بعض الأغذية للأشخاص الخطأ.
وكما أخبرتُ مجلس الأمن في نوفمبر/تشرين الثاني من السنة الماضية فالوضع في اليمن كان ولا يزال متردِّيًا إلى حد الكارثة.
لقد تدمرت سُبُل كسب العيش وبات الاقتصاد في حالة من الفوضى العارمة.
نقوم حالياً بتوفير الغذاء لما يزيد عن عشرة ملايين شخص شهرياً.
ولكن باعتباري مدير برنامج الأغذية العالمي لا أستطيع أن أُجْزِم لكم أن كافة المساعدات تصل إلى أولئك الذين هم في أقصى حاجة إليها.
لماذا؟
لأننا غير مسموح لنا أن نعمل باستقلالية.
ولأن المساعدة يتم تحويل مسارها من أجل الربح أو لأغراض أخرى.
وخلاصة القول أن:الطعام يؤخذ من أفواه الأطفال الجوعى من الأولاد والبنات الذين يحتاجون إليه حتى يظلوا على قيد الحياة.
لنضرب فقط بضع أمثلة للأدلة التي جمعناها:
- في مدينة صنعاء، أخبرنا عدد من المستفيدين أنهم لم يَتَلَقَّوا أيَّة مساعدات غذائية، على الرغم من أن بصمات أصابعهم وردت في قائمة التوزيع كما لو أنهم قد استلموا تلك المساعدات بالفعل.
- من استولى على طعامهم؟
- أجرينا مقابلات مع بعض المستفيدين في سبعة مراكز في مدينة صنعاء، أكد نحو 60% منهم أنهم لم يصلهم أيَّة مساعدات.
- أين ذهب طعامهم؟
على الرغم من أننا شهدنا تحسناً مبدئياً في أوائل عام 2019 بفضل العمل الجاد الذي قام به مارتن ومارك وليزا جرينيد وآخرون، وردت بعض المعلومات المثيرة للقلق كالآتي:
- 33% من المجيبين على الاستقصاء الذي أجريناه في محافظة صنعاء لم يتلقوا الغذاء في شهر أبريل/نيسان لعام 2019.
- وخلال الستين يوماً الماضية فقط كشف الخط الساخن ونظام الرصد لدينا عن أكثر من 30 حالة اختلاس محتملة للأغذية في أجزاء من اليمن التي تسيطر عليها السلطات في صنعاء.
وبالإضافة إلى ذلك:
- في محافظة صعدة، تم منع إجمالي 79 بالمائة من زيارات الرصد التابعة لأطراف ثالثة و66 بالمائة من زيارات الرصد التابعة لموظفي برنامج الأغذية العالمي.
دعوني أوضح الأمر؛ مع أن تحويل مسار المساعدات كان يتم في الغالب في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله إلا أن الأمر لا يقتصر فقط على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون...
ولكن عندما واجهنا تحديات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة تلقينا تعاوناً للتصدي لتلك المسائل بصفة مستمرة.
سيدي الرئيس، يتم الآن التلاعب بمساعداتنا الغذائية ونحن ممنوعون من حل هذه المشكلة.
إذا لم نقم بفعل شيءٍ حيال هذا...
- هل سنكون متغاضين عن هذه المشكلة؟
- هل سنكون شركاء في هذه المشكلة؟
- هل سنصبح غير محايدين؟
الإنسانية هي في المقام الأول السبب في تواجدنا في اليمن...
وهي أيضاً السبب في أن العالم أجمع والعديد من الشعوب التي لها تمثيل في هذه القاعة اليوم تقدم ما يزيد على 150 مليون دولار أمريكي لبرنامج الأغذية العالمي كل شهر لتوفير الغذاء للجوعى في اليمن.
عندما تذهب المساعدات الغذائية للأشخاص الخطأ وعندما تفشل تلك المساعدات في الوصول لأكثر الفئات احتياجاً هل نكون قد خذلنا الإنسانية؟
لا يمكننا أن ندع هذا الأمر يستمر.
لقد جربنا كل خيارٍ ممكن لحل هذه المشكلة على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية.
لقد كُنَّا نجري الحوارات والمفاوضات مع قيادة "أنصار الله" لمجرد مجرد أن يدعونا نقوم بوظيفتنا ونصل لأكثر الفئات ضعفًا في اليمن. إن الأمر ليس بهذا التعقيد.
لقد ناشدت شخصياً السيد/ عبد الملك الحوثي قائد حركة "أنصار الله".
وقد استجاب خلال شهريّ ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني بأفضل طريقة ممكنة وحققنا بعض التقدم.
وفي يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2018 و 15 يناير/ كانون الثاني من هذا العام وَقَّعْنا اتفاقات مع سلطات صنعاء بشأن تسجيل المستفيدين واستهداف المستفيدين والنظام البيومتري (نظام البصمة البيولوجية).
لقد بدا الأمر أننا نستطيع أن نتقدم للأمام.
ولكن كل مرة نقترب من تنفيذ تلك الاتفاقات فعلياً يظهر أمامنا حجر عثرة جديد في الطريق.
وبعد حوار مُطَوَّل توجهت برسالة إلى السلطات مُجَدَّداً أطلب منهم أفعالاً وليس أقوال: احترموا الاتفاقات التي وقعتموها.
إذا لم نتلقَّ هذه الضمانات والتأكيدات فسنبدأ تعليق المساعدات الغذائية تدريجياً وعلى الأرجح قرب نهاية هذا الأسبوع.
وإذا بدأنا تعليق المساعدات، سنواصل حينها تقديم المساعدات الغذائية للأطفال والنساء الحوامل والأمهات الجدد الذين يعانون من سوء التغذية.
كما أننا سنظل أيضاً نسعى للوصول إلى اتفاق.
نُريد أن نحل هذه المسألة سريعاً حتى يستطيع الناس أن يحصلوا على المساعدة التي يحتاجونها والمساعدة التي يستحقونها.
حينئذ نستطيع أن نعود لعملنا المعتاد، وهو ما نقوم به حول العالم لمساعدة 85-90 مليون شخص في المناطق الأكثر صعوبة على وجه الأرض.
ويمكننا أن نقوم باستهداف المستفيدين والتسجيل البيومتري لهم على النحو المطلوب بحيث أن نتأكد من تلقي المستفيدين الحقيقيين للدعم الذي يحتاجونه.
وماذا لو لم يحدث ذلك؟
عندئذٍ سنبحث مد تعليق المساعدات ليشمل المناطق الأخرى التي يرتفع فيها خطر تحويل مسار المساعدات.
لا نريد أن نقوم بذلك. إنه يتعارض مع إنسانيتنا.
ولكن كل ما نطلبه هو أن تدعونا نقوم بما نقوم به في كل مكان آخر في سائر أنحاء العالم.
مبادئنا الإنسانية –الوسيلة نفسها التي تتيح لنا القيام بمهمتنا في المناطق التي تتسم بأكثر الأوضاع تعقيداً، ستكون في خطر إذا لم يُسْمَح لنا بأن نحدد باستقلالية من هم الأكثر احتياجاً لمساعدتنا.
نحن لدينا الخبرة كما أننا، لحسن الحظ، لدينا الأموال التي تجعلنا نحافظ على أرواح اليمنيين المحتاجين.
سيدي الرئيس، دعني أكون واضحاً هنا: الأطفال يموتون الآنونحن نتحدث بسبب هذا التدخل وعدم قدرتنا على الوصول لهم.
أنا أعتقد حقاً أن هناك عناصر من قيادة "أنصار الله" ترغب في المضي قدماً وتريد أن تفعل الصواب. إنني حقًّا أعتقد هذا.
ولكن هذا شأن كل الحروب حيث يوجد أشخاص يحاولون أن يحققوا أرباحاً وسيقومون بأي شيء للعرقلة والتعطيل.
هؤلاءيعلمون أن الأطفال يموتون.
هؤلاء يعلمون أن الأُسَر تعاني لأنها لا تحصل على الغذاء الذي تحتاج إليه.
ولا ينبغي لأي أحد له علاقة بالأمم المتحدة أن يقف مكتوف الأيدي بينما يحدث هذا.
الأمر لا يتعلق باليمن فقط.
ولكنه يتعلق بنزاهة الأمم المتحدة كلها وأنظمة الإغاثة الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
وهذه النزاهة مهددة
سيدي الرئيس، نحن لن نستسلم... ولا يزال لدي أمل...في أن ما سيسود هو الصواب وأن قيادة الحوثيين ستفعل الصواب، لا نريد أي شيء من حركة "أنصار الله"، سوى أن يدعونا نقوم بوظيفتنا.
سيدي الرئيس، دعوني أختم بقصة قصيرة... لا أعلم من منكم شاهد منذ عام ونصف العام حلقة خاصة من برنامج ""60 دقيقة". كانت حلقة قاسية للغاية، عن الأطفال الذين يتضورون جوعاً وتلك القصة القصيرة كانت تعكس كل جوانب الوضع في اليمن. وسكوت بيلي، طوال اللقاءات التي أجراها مع العديد من الناس ومعي أنا شخصياً...قام في نهاية اللقاء بإبعاد الميكروفون ونظر إلى..أنا أعرف سكوت من قبل، من الحياة السياسية..قال لي، "سيدي المحافظ" "أنت لديك أفضل وظيفة على وجه الأرض، إنك تساعد في الحفاظ على أرواح الناس."
قلت له: "سكوت، نعم، بالفعل أنا لدي أفضل وظيفة على وجه الأرض، ولكني أود أن أقول لك شيئاً لم تفكر فيه ولكنه سيزعجك."
قلت له: "يحزنني، أنني لا أذهب إلى فراشي كل ليلة وأنا أفكر في الأطفال الذين ننقذهم. بل أذهب إلى فراشي كل ليلة وأنا أفكر في الأطفال الذين لم نتمكن من إنقاذهم" وقلت لسكوت: "عندما لا تتوفر إمكانية الوصول أو المال الذي نحتاج إليه..علينا أن نختار أي من الأطفال سيأكل ومن لن يحصل على الغذاء.
- قلت له: "سكوت: هل لقت تلك الوظيفة إعجابكم؟"
- ألقى إليَّ نظرة حزن ثم قال شيء من قبيل: "يا إلهي.. لم يطرأ على بالي شيءٌ كهذا قط".
- ثم قلتُ: "لسوء الحظ عليَّ أن أفكر في هذا ليل نهار."
ففي اليمن، لحسن الحظ، لدينا المال الذي نحتاجه... ولكننا ليس لدينا إمكانية الوصول. لا نستخف بهذا القرار.
أتوسل إلى الحوثيين وجميع المعنيين بالأمر أن يقدموا كل ما في وسعهم ليدعونا نقوم بأفضل ما نقوم به.. إنقاذ الأرواح.
وشكرًا لك سيادة الرئيس.