المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: استعادة الصحة والمياه لمكافحة الكوليرا
--
بقلم :
- عبير الحسني | مساعدة التواصل والترجمة
- أيوب الأحمدي | مساعد ترجمة أوّل
الساحل الغربي، اليمن
شعرت نعيمة وكأن الموت قد دخل منزلها، وهي تشاهد أطفالها الخمسة وهم يزدادون وهناً ساعة بعد ساعة، وأجسادهم الصغيرة ترتجف تحت وطأة المرض. قضت بضع ليالٍ بلا نوم، وقلبها منقبض خوفاً من أن تفقد جميع أطفالها دفعة واحدة.
فقد اكتسح وباء الكوليرا مخيم النازحين الذي كانت تعيش فيه العام الماضي، وتأثر جميع أطفال نعيمة الخمسة، مما تركها في حالة من الرعب والإرهاق. كانت وطأة الخوف واليأس التي أثقلت قلبها لا تُطاق، وتتذكر تلك الأيام بأنها أحلك أيام حياتها.
وكحال العديد من الأسر النازحة الأخرى في حيس، تعيش نعيمة في مأوى هشّ مصنوع من أغصان النخيل والأغطية البلاستيكية فى الساحل الغربي لليمن. فالحياة هناك كفاحٌ يومي، في ظل شح المياه النظيفة وانعدام خدمات الصرف الصحي الآمنة. فكل يوم يبدأ بالقلق بشأن تأمين أساسيات البقاء وينتهي في حالة من عدم اليقين.
واجهت اليمن موجات من الكوليرا منذ بداية الصراع، لكن عودة الوباء في عام ٢٠٢٤ كانت الأشد على المجتمعات النازحة. انتشر المرض بسرعة في المآوي المكتظة التي تفتقر إلى المياه النظيفة ومرافق النظافة. وفي غضون أسابيع، تم الإبلاغ عن مئات الحالات المشتبه بها، معظمها بين الأطفال والنساء وكبار السن.
بالنسبة لنعيمة، بدا تفشي المرض القاتل أمراً لا مفر منه. فمع عدم وجود مرحاض في مأواها الصغير، والاعتماد على بئر ضحل ملوث كمصدر وحيد للمياه، بدا تجنب الوباء مستحيلاً.
تحكي نعيمة: "جميع الأسر في هذا المخيم تعتمد على هذه البئر. في إحدى المرات، رأينا ثعباناً في البئر، واضطررنا للانتظار يومين قبل أن نشرب منه مرة أخرى".
عندما مرض أطفال نعيمة، لم يكن لديها مكان تلجأ إليه للحصول على المساعدة. كانت المرافق الصحية المحلية إما معطلة أو بعيدة جداً بحيث يصعب الوصول إليها سيراً على الأقدام، ولم تستطع نعيمة تحمل تكلفة النقل.
ولكن لاح بصيص أمل عندما نصحها جيرانها بزيارة مركز علاج الإسهال الذي تدعمه المنظمة الدولية للهجرة. تأسس المركز في حيس عام ٢٠٢٤، وأصبح شريان حياة أساسياً لآلاف النازحين وأفراد المجتمع المستضيف، حيث يوفر العلاج المجاني، وخاصةً الإماهة والرعاية العاجلة.
لا تزال نعيمة تتذكر حمل طفلتها الأصغر، رضيعة عمرها ستة أشهر، إلى مركز علاج الإسهال. كان جسد الرضيعة هزيلاً وعيناها غائرتان.
تتذكر نعيمة: "ظننتُ أن ابنتي لن تنجو تلك الليلة. لكن الأطباء سارعوا لتقديم الرعاية التي تحتاجها. فتحت عينيها ببطء. كانت تلك هي اللحظة التي عاد فيها الأمل وتلاشى الخوف".
في مركز علاج الإسهال، استقبلت الفرق الطبية التابعة للمنظمة الدولية للهجرة جميع أطفال نعيمة، وحرصت على حصول كل منهم على السوائل والمضادات الحيوية عند الحاجة، وخضعوا للمراقبة المستمرة على مدار الساعة. في غضون يومين، بدأت حالتهم تتحسن.
تقول نعيمة: "لن أنسى أبداً لطف الممرضات. لقد عاملن أطفالي كما لو كانوا أطفالهن، بعدما انهارت قواي"
وللحد من انتشار المرض بشكل أكبر، يُجري مركز علاج الإسهال جلسات توعية في المجتمعات المتضررة، ويوزع مستلزمات النظافة وأقراص تنقية المياه.
بالإضافة إلى جهود العلاج والتوعية، دعمت المنظمة الدولية للهجرة حملة تطعيم ضد الكوليرا في حيس لتعزيز حماية الأسر النازحة والمجتمعات المستضيفة. تنقلت الفرق الصحية بين المخيمات والقرى، لضمان حصول الناس على لقاح الكوليرا الفموي. وقد شعر الكثيرون بالحماية من المرض وبنوع من الأمان. تعمل فرق الصحة والنظافة التابعة للمنظمة الدولية للهجرة بلا كلل لتوعية الأسر بممارسات النظافة البسيطة والمنقذة للحياة، والتعريف بكيفية تحضير محلول الإماهة الفموي في المنزل.
إلى جانب الكوليرا، كانت هناك أزمة أكبر تلوح في الأفق، وهي النقص المستمر في المياه الصالحة للشرب. لسنوات، بالكاد استطاعت الأسر في حيس البقاء على قيد الحياة، لا سيما في ظل انعدام الدخل الثابت لشراء المياه النظيفة. كان خيارهم الوحيد هو الاعتماد على الآبار الضحلة غير المحمية.
كثيراً ما كانت المياه تتحول إلى مالحة وغير آمنة، مما يزيد من حدوث موجات تفشي جديدة.
وتضيف نعيمة قائلةً: "كنا نستخدم الماء مباشرة من البئر. لم أكن أعلم أن ذلك يشكل خطراً على أطفالي. ساعدتني جلسات التوعية في تثقيف نساء القرية الأخريات حول النظافة والوقاية".
كثيراً ما كانت النساء والأطفال يقطعون كيلومترات سيراً على الأقدام تحت أشعة الشمس الحارقة، ويمرون بمناطق غير آمنة فقط لجلب المياه. كان الإرهاق وانعدام الأمن والخوف يرافق كل خطوة. عانى الأطفال من الإسهال المستمر، وضعف وضع الأسر، وتزايد الطلب على الرعاية الصحية.
ولتلبية هذه الحاجة، أجرى فريق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية التابع للمنظمة الدولية للهجرة دراسات لإيجاد حلول لمشكلة المياه المالحة وغير الصحية في المنطقة.
قام الفريق في نهاية المطاف بحفر آبار جديدة، ومدّ خطوط نقل، وتركيب أنظمة ضخ وأنظمة طاقة شمسية في حيس وتوصيلها بمصادر مياه آمنة. ولأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً من النزاع، تمكنت الأسر من الحصول على مياه نظيفة بالقرب من منازلها.
بالنسبة للأسر مثل أسرة نعيمة، غيّر هذا البرج كل شيء. لم تعد مضطرة للاختيار بين المياه غير الآمنة والرحلات المحفوفة بالمخاطر.
أوضح الدكتور أوس، وهو عامل صحي في مركز علاج الإسهال التابع للمنظمة الدولية للهجرة في حيس، أن الحصول على مياه آمنة لا يقل أهمية عن الدواء في حماية الأسر. وقال: "المياه النظيفة والعلاج ينقذان الأرواح، لكن الوقاية تساعد في منع انتشار المرض من الأساس".
على الرغم من انخفاض حالات الكوليرا بعد تحسن الوصول إلى المياه الآمنة، لا تزال التحديات هائلة. يعاني مركز علاج الإسهال في حيس من ضغط هائل، حيث يقدم العلاج لمئات المرضى شهرياً، معظمهم من الأطفال. وغالباً ما تنخفض الإمدادات خلال موجات الأوبئة، ويضطر العاملون الصحيون للعمل لساعات طويلة في ظل ظروف صعبة.
قال الدكتور أوس: "الحاجة تفوق بكثير الموارد المتاحة. أحياناً نستقبل المريض نفسه أكثر من مرة، وما زلنا نكافح لتلبية الطلب المتزايد".
لا يزال النظام الصحي في اليمن يعاني منذ سنوات. فالعديد من المرافق الصحية في محافظة الحديدة مغلقة أو بالكاد تعمل، مما يترك للأسر النازحة خيارات محدودة، ويجعل مركز علاج الإسهال شريان الحياة الوحيد المتاح للكثيرين.
بالنسبة لنعيمة، هزت هذه التجربة حياتها، لكنها عززت عزيمتها أيضاً. تقول: "الآن أعرف كيف أحمي أطفالي. كما أخبر الآخرين في المخيم بكيفية منع انتشار المرض لأنني لا أريد أن يمر أحد بما مررت به".
تمتد استجابة المنظمة الدولية للهجرة للكوليرا على نطاق أوسع لتشمل محافظات متعددة من خلال دعم المرافق الصحية، ووحدات الإماهة الفموية، والفرق الطبية المتنقلة التي تقدم الرعاية في المناطق النائية والريفية.
لا يزال تفشي الكوليرا في اليمن قائماً، والمزيد من الأسر معرضة للخطر، وتحتاج بشكل عاجل إلى الدعم في مجالات المياه والصرف الصحي والرعاية الصحية للحفاظ على سلامتها.
"أنا مجرد واحدة من كثيرين"، تختتم نعيمة حديثها. "إذا نجا أطفالي، أعتقد أن بإمكان الآخرين النجاة أيضاً طالما يستمر الدعم".
في حين لا يزال اليمن يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، تُبرِز الاستجابات للكوليرا وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الحاجة المُلحة إلى دعم مُستدام.
تتلقى استجابة المنظمة الدولية للهجرة للكوليرا في اليمن، بما في ذلك مركز علاج الإسهال، دعماً من الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ، وقد أُتيح تشييد برج المياه وتوسيع نظامه في حيس بفضل الدعم السخي من الحكومة الألمانية من خلال بنك التنمية الألماني ومكتب الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية.