المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: التقدّم المحرز من المنزل - حيث يتولى المجتمع مسؤولية المياه

التقدّم المحرز من المنزل - حيث يتولى المجتمع مسؤولية المياه
إب، اليمن
لقد اصبحت الأرض قاحلة، فقد مضت أشهر على مدينة إب من دون أن تهطل الأمطار مما أدى إلى تصلب التربة، وباتت التلال متشققة وخالية. وأصبحت الجبال التي كانت مخضرة دائماً باهتة تحت أشعة الشمس. في الوادي، في الوادي، تتلاصق المنازل، وقد غطى الغبار جدرانها.. وعلى كل عتبة باب، تتراكم أوعية المياه في الظل، والتي تعبر عن ندرة المياه. يعد البحث عن المياه بالنسبة للعائلات هنا جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وكل نسمة ريح ساخنة تحمل معها رائحة الأرض الجافة وقلقًا صامتًا.
على التلة يقف عبدالجليل، أبٌ ونائب للمحافظ، حيث أمضى أعوامًا في المحاولة لمساعدة مدينته للبقاء على قيد الحياة. ينظر بتركيز نحو المنازل الموجودة في الأسفل. يقول عبد الجليل بصوت يعكس إرهاق الأعوام الماضية "تعد المياه العمود الفقري للحياة" ويضيف: "من دون المياه، يفقد الناس كرامتهم، ويصاب الأطفال بالأمراض، ويتفشى الجدب في الحقول الزراعية، وتبدأ أحلامنا في التلاشي".
على مدى سنوات، اعتمدت المدينة على نظام مياه يعمل بوقود الديزل. ولم تكن الأنابيب تنبض بالحياة إلا عندما كان من الممكن الحصول على ما يكفي من المال من أجل توفير الوقود – والتي أصبحت مهمة شاقة في مكان توقفت فيها الرواتب الحكومية، بينما تستمر العملة المحلية في التدهور. أصبحت العائلات التي اعتادت على دفع رسوم رمزية لملء خزاناتها تواجه تكلفة تصل إلى 24 دولارًا أمريكيًا خلال أسبوع واحد، مما اضطر الكثير منهم للجوء إلى خيارات مستحيلة بين الماء والطعام.
يفتقر أكثر من 17 مليون شخص في اليمن إلى المياه الآمنة وخدمات الصرف الصحي والنظافة. وفي المجتمعات الريفية مثل مديرية النادرة، يؤثر شح المياه على كل ناحية من نواحِ الحياة اليومية حيث يتجاوز شح المياه في هذه المنطقة مجرد كونه أمر شاق. فقد أدت ندرة المياه إلى التسبب في سوء التغذية، وتفشي الأمراض، وتأزم العلاقات المتوترة مسبقًا.
"حالت التكلفة الباهظة للديزل دون المحافظة على تدفق المياه حيث أن الضخ لبضعة ساعات قد يستهلك برميلًا كاملًا. لذا لم تتمكن المدينة من الاستمرار ولا العائلات من تحمل نفقات تلك التكاليف". – عماد، مهندس المياه والصرف الصحي في المنظمة الدولية للهجرة

نقطة تحوّل
تجاوز نقص الوقود مجرد كونه عقبة لوجستية إلى تهديد للأرواح. تواجه العائلات خطرًا أكبر للإصابة بالأمراض وسوء التغذية في كل مرة تنعدم فيها المياه. ويخيّم الإحباط كلما تضاءلت فرص الحصول على المياه. يقول عبد الجليل "كنا نخشى من أن يصل الناس إلى مشارف الانهيار". ويضيف: "يمكن لتوفر المياه أن يجعل الناس صفًا واحدًا، وبالمقابل يمكن لانعدامه تفرقتهم".
ومع تعرض المدينة لهذه الضغوط، تدخلت المنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع السلطات المحلية بوضع خطة لتزويد نظام المياه بالطاقة الشمسية، والذي بدا أمرًا لا يصدق بالنسبة للعديد من السكان.
يقول جبران، متطوع مجتمعي ساهم في تنفيذ المشروع: "لا أزال أتذكر عندما رفعت الألواح لأول مرة" ويضيف: " امتدت نحو السماء تلتقط أشعة الشمس. و للمرة الأولى، أصبح لدينا مصدر طاقة لا يمكن لأحد احتكاره أو التحكم به
مثّل التحوّل من الاعتماد على الديزل إلى النظام الشمسي أكثر من مجرد تغيير تقني. فلقد فتح آفاقًا جديدة؛ حيث يعمل لساعات كل يوم من دون الحاجة إلى وقود، بالإضافة إلى انخفاض التكاليف، واستمرارية تدفق المياه حتى مع انقطاع الوقود أو ارتفاع الأسعار.
يقول عبد الجليل: "في السابق، كان يتعين علينا تقنين المياه كل يوم" ويضيف: "أصبحت المياه متوفرة في أغلب الأحيان، ولم يعد يتوجب على الناس الوقوف في صفوف الانتظار خوف انقطاعها".



أثر مستدام
يتماشى التحوّل إلى الأنظمة الشمسية مع أولويات اليمن الوطنية في مجالات المياه والصرف الصحي والنظافة. ومن خلال التركيز على الحلول الملائمة للمناخ، يتم العمل على تعزيز الأنظمة الضعيفة، والحد من اعتمادها على إمدادات الوقود غير المستقرة.
ولا تقتصر ثمار هذا المشروع في حدود خزانات المياه فقط، بل يساهم التدفق المستمر للمياه في بقاء الفتيات في المدرسة عوضًا عن هدر ساعات من وقتهن في جمعها. كما أتيحت الفرصة للمزارعين بإعادة إنعاش أراضيهم. وأصبحت العائلات تنفق على الغذاء أكثر مما هو على الدواء. ويضيف عماد: "لا يتعلق الأمر بما يأتي من أنابيب المياه فقط، بل باستعادة النظام الذي يتيح للناس بأن يعيشوا حياتهم".
في مديرية النادرة، يخدم تحسين شبكات المياه أكثر من 14,000 شخصًا. وفي السابق، كان النظام الذي يعتمد على الديزل يعمل بصورة متقطعة؛ كما كان يقتصر في أغلب الأحيان على الوصول إلى أحياء قليلة حيال ندرة الوقود والتكلفة الباهظة. ومع توقف الرواتب عن العاملين في القطاع العام بالتزامن مع ارتفاع الأسعار المستمر، أصبح الوصول إلى المياه خارج متناول اليد بالنسبة لآلاف من الناس.
من خلال التحول إلى أنظمة الطاقة الشمسية، تم استبدال نظام الديزل الذي لا يمكن الاعتماد عليه بالطاقة المتجددة، مما أدى إلى خفض التكاليف، وزيادة ساعات التشغيل التي تتوفر خلالها المياه. وفي الوقت الراهن، تتدفق المياه بشكل أكثر انتظاماً. وتصل إلى عدد أكبر من المنازل، خصوصًا تلك التي لم تنل نصيبًا من المياه في مرات سابقة نتيجة بعد المسافة أو محدودية الدخل. لا يُعدّ هذا المشروع واحدًا من أكبر المشاريع في محافظة إب فحسب، بل يُمثّل أيضًا نموذجًا رائدًا لما يمكن تحقيقه عندما يُصاغ العمل الإنساني بناءً على احتياجات المجتمع، ويُعزَّز بالابتكار التقني، ويُوجَّه برؤية بعيدة المدى.
يقول عماد: "نشعر بالفخر لما يعنيه هذا المشروع للناس" ويضيف: "فالأمر لا يقتصر على كونه مجرد بنيةً تحتية؛ فهو يعني استقرار وكرامة."
وعلى الرغم من ذلك، لم تنتهِ التحديات بعد؛ إذ لاتزال اليمن واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من شح المياه في العالم، في حين لا تزال تبعات الصراع تؤثر على الحياة اليومية. ولا تزال ملايين الأسر محرومة من المياه الآمنة، وتعتمد الأنظمة القائمة على الصيانة الدورية والدعم المستمر.
وفي هذه الظروف يلعب أفراد المجتمع مثل جبران دورًا مهمًا. وعلى الرغم من كونه ليس مهندسًا، إلا أنه قد أتقن مهارة إجراء الفحوصات الدورية، وبالقيام بأعمال الصيانة الطفيفة بنفسه. أما بالنسبة للإجراءات الأكثر أهمية، فيعرف كيف يتواصل مع السلطات المحلية أو فريق المنظمة الدولية للهجرة لطلب المساعدة.
"هذا يعزز فينا شعور الانتماء للمشروع. لا ننتظر تلقي المساعدة فحسب؛ بل نكون جزءًا من الحل". – جبران، فرد من المجتمع

ترسيخ الأحلام
بعيدًا عن الحلول قصيرة المدى، تعمل أنظمة المياه التي تعتمد على الطاقة الشمسية على نقل الاستجابة الإنسانية في اليمن من حلول قصيرة الأمد إلى حلول دائمة ومستدامة. وفي بلد يحتاج فيه ما يصل إلى 20 مليون شخص إلى المساعدة، ومع محدودية الموارد، يساهم منهجية الصيانة التي يقودها المجتمع بإشراف من المنظمة الدولية للهجرة على ضمان الاستدامة والملكية حتى عند وجود نقص في التمويل.
و بهذا الحس الجماعي، تتجاوز أحلام عبد الجليل حدود الاحتياج الذي يعيشونه. فقد عبّر عن تطلّعه نحو مراكز تدريب للشباب، وتوسيع الأنظمة الشمسية إلى القرى المجاورة، وتحويل صمودهم إلى تقدم دائم.
يقول عبد الجليل: "لا يمكننا العودة إلى الوراء" ويضيف: “فقد أثبت لنا هذا المشروع أن النمو ممكن، حتى في أحلك الظروف.".
وأما بالنسبة لأطفاله في المنزل، فلم يعودوا يتساءلون عما إن كان هناك مياه. فهم يغسلون أيديهم بحريّة، ومن دون مخاوف متعلقة بنفاذ المياه من الخزان. إنه تغيير هادئ، لكن يملئ قلوبهم بالأمل. ويضيف: "عندما أرى ابني الأصغر يلعب في الخارج وملابسه نظيفة، ويرش الماء على وجهه، أتيقن بأننا قد فعلنا الصواب".