المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: أسس الأمل - تحويل الأرض إلى مأوى للأسر النازحة

---
مأرب، اليمن – تقول حورية، وهي أمٌ كانت تربي أطفالها الأربعة في قرية يسود فيها الحب والسلام: "الأمر لا يقتصر على الانتقال من مكان إلى آخر، بل يمتد إلى راحة البال التي تأتي من معرفة أن هناك مكان نأوي إليه". في مجتمعها، تبني الأسر منازلها، إيماناً منها بأن الاستقرار يبدأ من قلب المنزل. وعندما اجتاحت الحرب اليمن، انهار في إيجاد مستقبل آمن لأسرتها، وتلاشى معه السلام الذي كان يعم قريتها فيما سبق.
ومع انتشار الصراع في جميع أنحاء اليمن، اضطرت العديد من الأسر، مثل أسرة حورية، إلى ترك منازلها. وفي ظل هذا الوضع، أصبحت محافظة مأرب ملاذاً آمناً للنازحين بسبب العنف المنتشر. ومع توفر الأمان في مأرب، برزت تحديات قاسية بسبب العيش في مواقع النزوح.
عندما وصلت حورية وأطفالها إلى مأرب، بحثوا عن مأوى مؤقت في منزل أحد أقاربهم. ولأكثر من عام، تشاركت الأسرتان غرفتين فقط، مع التمسك بأمل العودة قريباً إلى منزلهم بعد تحسن الظروف. وبمرور الوقت، ازدادت حاجة الأسرة المستضيفة إلى مساحة أكبر، وأبدت حاجتها إلى ذلك لاستيعاب أفراد أسرتهم المتنامية.
"شعرتُ بانفصال غريب عن كل ما كان مألوفاً في السابق. اعتصر الألم قلبي لأن المنزل الذي تعودت عليه لم يعد موجوداً."– حورية، أم نازحة

مأوى مؤقت
في محاولة للتغلب على الظروف الصعبة، باع زوج حورية آخر ممتلكاتهم. وانتقلوا بالخيمة الوحيده التي يملكونها إلى مخيم النور للنازحين، في عمق الصحراء القاحلة. وزاد مشهد المخيم القاحل والقاسي من معاناة الأسر التي تواجه أصلاً نقصاً حاداً في الموارد الأساسية.
وبدون دخل ثابت، اعتقدت حورية أن البقاء في المخيم هو خيارٌ أكثر أماناً من المخاطرة باستئجار منزل في مكان آخر. ومع ذلك، ما تزال الأسرة مضطرة لمواجهة شظف العيش في الصحراء القاحلة.
"وضعي المالي أجبرني على العيش في خيمة على أرض شخص آخر، بعد أن كنت أملك منزلاً في السابق"، تقول حورية، وتضيف: "من المؤلم أن خيمتنا المؤقتة لا تحمل أي معنى، بعد أن كان منزلنا يمثل الأمان والدفء لنا."
ومع استمرار الصراع، وجدت 700 أسرة أخرى نازحة بعض الاستقرار في المخيم نفسه. ومع ازدياد عدد السكان في المنطقة، إزدادت مآويهم المؤقتة. وواجهت العديد من الأسر تحدياً كبيراً في إقامة مآويها ومطابخها ومراحيضها وفق القيود الصارمة المفروضة عليها عند استخدام الأراضي، وكانوا غير متيقنين مما إذا كانت منازلهم ستبقى في مكانها لوقت طويل.

أرض بلا أمل
في صباح أحد أيام الخريف، بدأ اليوم بسماء صافية هادئة، وبعد فترة قصيرة تجمعت غيوم داكنة في الأفق وهبّت ريح قارسة في الأجواء، منذرةً باقتراب عاصفة.
وسط هذه التحديات، وقفت حورية، وهي حامل في شهرها الخامس، تحاول يائسةً حماية طفلها ذي السنة الواحدة. تشبثت ابنتاها بساقيها بينما كان زوجها يكافح للتمسك بخيمتهم التي اقتلعتها العاصفة في النهاية.
على الرغم من الوضع المزري في المخيم، استمر عدد الأسر التي تسعى إلى الاستقرار طويل الأمد في الارتفاع. ومع ازدياد الطلب على الأراضي، ارتفعت قيمتها، وزاد ارتفاع التكاليف غير المتوقع هذا من المعاناة. أصبحت عمليات الإخلاء القسري شائعة في الموقع، مما أوجد تحديات أخرى أمام الأسر النازحة.
استقرت 50 أسرة على قطعة أرض صغيرة، لكن طالب مالك الأرض كل عائلة بدفع إيجار أو أن يخلوا الأرض. في هذا الوضع الاقتصادي الصعب، لم تتمكن الأسر من تحمل إيجار الأرض أو إيجاد بديل مناسب للاستقرار في مكان آخر.
بُذِلَت محاولات لحل الخلاف بوساطة قبلية، لكن قوبلت هذه الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سلمي برفض قاطع. واجهت الأسر خطر إخلاء حقيقي، وبدأ الخوف ينتشر في جميع أنحاء المجتمع.
"لم أستطع تحمل رؤية أطفالي خائفين ويذرفون الدموع مع كل جدال نخوضه."– حورية، أم نازحة

تنسيق الإغاثة
في خضم هذه الاضطرابات، برزت رجاء مهدي، المُساعدة الميدانية في وحدة إدارة المخيمات وتنسيق أنشطتها لدى المنظمة الدولية للهجرة، وكان لها دور محوري في الاستجابة لتهديدات الإخلاء. عملت مع فريقها بلا كلل لتنسيق الجهود وتقديم المساعدات في بيئة ما تزال صعبة وغير مستقرة.
تقول رجاء: "إن محنة الأفراد الضعفاء، وخاصة النساء والأطفال، الذين يواجهون الإخلاء أمرٌ مُحزنٌ للغاية. كان هدفنا هو نقل الأسر بطريقة تضمن سلامتهم وتصون كرامتهم".
بالتنسيق الوثيق مع الوحدة التنفيذية لإدارة المخيمات، خُصِصَت قطعة أرض لإيواء 50 أسرة مُعرَّضة لخطر الإخلاء. جاء هذا القرار بعد مشاورات مُكثّفة مع المجتمع المحلي، شملت مناقشات جماعية مُركّزة، لضمان أن عملية النقل تلبي احتياجات ومخاوف المتضررين.
الوحدة قوة
قبل أي عملية نقل، تُجري فرق المنظمة الدولية للهجرة تقييماً لتحديد ملاءمة الأرض وضمان أمان الموقع وأنه ليس عرضةً لخطر الفيضانات أو غيرها من المخاطر الطبيعية. بمجرد تأكيد أن الموقع مناسب، يعمل مهندسو المنظمة الدولية للهجرة مع المجتمع المحلي على تكوين وتدريب لجنة صيانة يختارها السكان بأنفسهم. كما يتم تدريب محشدين من المجتمع المحلي على دعم أعمال الصيانة اليومية والمساهمة في تخطيط البنية التحتية على المدى الطويل. ويُساعد هذا النهج على ضمان استدامة الموقع مع تعزيز شعور قوي بملكية المجتمع للنشروع ومسؤوليتهم عنه.
وبدعم من فريق إدارة المخيمات وتنسيق أنشطتها التابع للمنظمة الدولية للهجرة، حصلت الأسر المنقولة على مآوٍ مؤقتة، ومواد غير غذائية، ومساعدات نقدية متعددة الأغراض، ودعم حيوي في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة. وكانت الاستجابة شاملة، إذ لبت احتياجاتهم العاجلة، ومهدت الطريق لمستقبل أكثر أماناً.
وبالنسبة للأسر النازحة، كان تحول مشاعر الخوف واللايقين إلى طمأنينة وسكينة بمثابة بداية فصل جديد. تحولت المآوي المؤقتة، التي بُنيت الآن على أرض آمنة، إلى مجتمع صامد، يبعث الأمل في نفوس النازحين بعد أن ساد اليأس.
نجحت عملية نقل الأسر النازحة التي نفذتها وحدة إدارة المخيمات التابعة للمنظمة الدولية للهجرة بفضل الدعم المُقدم من الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية.