المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: التشبث بالأمل - روح رمضان المبارك تضيء مخيمات النزوح باليمن

روح رمضان المبارك تضيء مخيمات النزوح باليمن
مأرب، اليمن
بالنسبة لصالحة، وهي أم لخمسة أطفال فرت من الغارات الجوية قرب منزلها في مديرية مدغل بمأرب، بالنسبة لها كان رمضان وقتاً للسلام والتأمل والوَحدة. قبل أن يقلب الصراع حياتهم رأساً على عقب، كانت أسرتها تعتمد على عمل تجاري صغير يلبي احتياجاتهم اليومية ويمنحهم الفرصة للاحتفال بالتقاليد الخاصة بهذا الشهر الفضيل.
الانتقال من الروتين المعتاد إلى واقع النزوح القاسي حرم العديد من الأسر من فرحة هذا الشهر الكريم. تتذكر صالحة أول رمضان لها في المخيم باعتباره واحداً من أصعب الفترات في حياتها. فمع عدم توفر المياه الجارية، كانت تقضي كل صباح في جمع ما تحتاجه عائلتها، محاولةً التوفيق بين كفاحها اليومي من أجل البقاء ورغبتها في الاحتفال برمضان. وهكذا حل القلق والمشقة محل السلام الذي كان يرافق هذا الشهر في السابق.
في اليمن الذي مزقته الحرب، يأتي رمضان كل عام في ظل ظروف متفاقمة. فالصراع المستمر لعقد من الزمن ترك أكثر من نصف السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، حيث يُقدر أن 17.1 مليون شخص يكافحون للحصول على التغذية الأساسية، وفقاً لخطتي الاحتياجات الإنسانية والاستجابة الإنسانية لعام 2025.
وبالنسبة للعائلات في مواقع النزوح، يتميز شهر الصوم ليس فقط بالروحانية، ولكن أيضاً بتحديات يومية لتأمين الطعام الكافي للإفطار. وبسبب الدخل المحدود وأسعار المواد الغذائية المرتفعة جداً، فأن عملية تحضير الإفطار الذي ينهي صيام يوم واحد في رمضان، أصبحت تحدياً صعباً.
في مخيم سايلة الميل، بعيداً عن دفء قرية صالحة، أصبحت تقاليد رمضان ذكرى بعيدة للكثير من الأسر. تُدبر الأسر حالها بالقليل الذي يتوافر لها مع قلة فرص الدخل المتاحة. بالنسبة للعديد من العائلات، يعتبر التمر والأرز والخبز، إن وجد، هي الأطعمة الوحيدة على مائدة الإفطار.
"كنا نشتري حاجيات رمضان قبل أسبوع من حلوله، أما الآن فنكتفي بما هو متاح لدينا."– صالحة، أم نازحة

معاناة يومية
تبذل صالحة وزوجها قصارى جهدهما لتقاسم الأعباء خلال رمضان، في محاولة لإبقاء الأسرة صامدة. كل صباح، يخرج زوجها مبكراً على أمل العثور على عمل بأجر يومي يسدُ احتياجاتهم الأساسية. لكن مع شُح الوظائف وعدم استقرار الأجور، يعود الزوج غالباً خالي الوفاض مثقلاً بالديون المتراكمة. وحتى الزيارة البسيطة إلى السوق أصبحت مصدر قلق.
في المخيم، تقضي صالحة يومها في خيمة صغيرة تُعدُ مطبخاً ومساحة معيشة في آنٍ واحد. أصبح تحضير وجبة الإفطار يمثل تحدياً دائماً مع قلة المكونات المُتاحة.
بالنسبة للعديد من العائلات، يُمثل الطهي في المكان نفسه الذي ينامون فيه خطراً دائماً. ومع عدم توفر ترتيبات مأوى ملائمة، يظل خطر نشوب الحرائق هاجساً مستمراً، خاصة خلال رمضان. وتحضير وجبة السحور يعني غالباً إشعال مواقد الطبخ في منتصف الليل بينما ينام الأطفال على بعد أقدام قليلة من أسطوانات الغاز.


جهود تعزيز السلامة المجتمعية
في مأرب وحدها، داخل 34 موقع نزوح تديرها المنظمة الدولية للهجرة، تعيش الأسر في خوف دائم من أن تؤدي شرارة واحدة إلى اندلاع حريق مدمر. واندلعت حرائق سابقاً وسط المآوي المُكتظة، مما زاد من صعوبة الحياة التي تُعاني منها هذه العائلات بالفعل. وللمساعدة في منع هذه الحوادث، تعقد المنظمة الدولية للهجرة جلسات توعية منتظمة لثقيف الأسر، وخاصة النساء، عن كيفية الطهي بأمان والتعامل مع مواقد الطبخ في هذه الظروف الصعبة.
بالإضافة إلى جلسات التوعية، تقوم المنظمة بتدريب مراقبي حرائق يتم اختيارهم من المجتمع المحلي، حيث يكتسبون المعرفة اللازمة للاستجابة السريعة للطوارئ وتثقيف الآخرين حول السلامة من الحرائق. كما يتم توفير طفايات الحريق وصيانتها بانتظام لضمان جاهزيتها للاستخدام عند الحاجة. إضافة إلى جهود الوقاية من الحرائق، تدعم المنظمة الدولية للهجرة الأسر النازحة بتوفير مياه نظيفة، وهي مورد يصبح ذو أهمية أكبر خلال شهر رمضان.
رغم صعوبة الحياة في المخيم، تبقى روح رمضان حاضرةً بقوة. تجتمع العائلات لتتشارك ما تيسر لها، حيث تحُضر كل أسرة طبقاً للمائدة الجماعية في الإفطار. ومع غروب الشمس وارتفاع نداء الأذان في أنحاء المخيم، يصطف الرجال والنساء والأطفال في المسجد لأداء صلاة التراويح.
بعد الصلاة، يزداد الشعور بالانتماء إلى المجتمع قوةً. تجتمع العائلات لتلاوة آيات من القرآن الكريم، حيث يجدون في هذه اللحظات المشتركة الهدف والسعادة. بالنسبة لصالحة والعديد من الأسر الأخرى، يمثل هذا الاتصال الروحي مصدراً هاماً للقوة.
"ندعو الله لانتهاء الصراع وأن نعود إلى ديارنا، حيث يمكننا الاحتفال برمضان كما يجب."– صالحة، أم نازحة

التمسك بالتقاليد
مع انخفاض حرارة الظهيرة الحارقة فوق المخيم، تتوقف الأنشطة اليومية. وتلجأ العائلات إلى خيامها للحفاظ على طاقتها حتى يبدأ غروب الشمس. ورغم ثِقل معاناتهم، يرفض شباب المخيم ترك بهجة رمضان تختفي. ورغم قلة الموارد، ينظمون دوري كرة قدم ليلي، إضافة إلى ألعاب "الكيرم" والورق، محولين الأرض الصحراوية المُغبرة إلى مساحة مليئة بالضحك والمنافسة الودية.
ولتعزيز الروابط بين الأسر النازحة والمجتمع المستضيف، تدعم المنظمة الدولية للهجرة فعاليات ترفيهية تخطط لها لجان المجتمع المحلي، مما يسمح باستمرار روح الُألفة والحماس حتى بعد انتهاء رمضان وفي بقية العام. وفي مكان تندر فيه الفرص، توفر هذه اللحظات البسيطة من اللعب إحساساً بالاستقرار، خاصة للجيل الأصغر.

روح صامدة
مع اقتراب نهاية رمضان، تواجه صالحة وزوجها تحدياً جديداً يتمثل في ارتفاع تكلفة شراء ملابس لأطفالهم استعداداً لعيد الفطر الذي يأتي في نهاية شهر رمضان. وأطفالهم، مثل العديد من أطفال المخيم، ينتظرون بفارغ الصبر ملابس جديدة وهدايا صغيرة على هيئة "عيدية"، متمسكين بالتقاليد التي كانت مصدر فرح لهم يوماً ما.
بالنسبة للعديد من الأسر النازحة في اليمن، تعدُ الزكاة مصدر إغاثة حيوي يساعدهم في تأمين احتياجاتهم الأساسية مثل الطعام والماء والملابس خلال شهر رمضان وما بعده، حيث تتوفر لهم بعض الراحة في أوقات الضيق الشديد.
ورغم هذا الدعم، يحمل عيد الفطر مشاعر مختلطة للأسر النازحة. فعلى الرغم من كونه وقتاً يجتمع فيه المجتمع للاحتفال بالانتهاء من الصيام والتمسك بالأمل في قدوم أيام أفضل، فإنه يمثل أيضاً تذكيراً مؤلماً بفقدان أحبائهم أو تركهم خلفهم بسبب الصراع.
تقول صالحة: "أشتاق إلى الأيام التي كنا نُلبس فيها أطفالنا ملابس جديدة، ونتشارك المكسرات والحلوى، ونجتمع كأسرة واحدة." مثل الكثيرين في اليمن، تتمسك صالحة بأمل العودة إلى الوطن، وإعادة بناء حياتها، والاحتفال برمضان وعيد الفطر بسلام مرة أخرى.
