المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: شريان حياة في ظل الأزمة - مكافحة الكوليرا في مخيمات النازحين باليمن
مكافحة الكوليرا في مخيمات النازحين باليمن
مأرب، اليمن – الحياة في مخيم الجفينة، الذي يضم أكثر من 15,000 أسرة نازحة، هي معركة يومية من أجل العيش. في أكبر موقع للنزوح في اليمن، تتكدس المآوي المؤقتة وتتخللها مسارات ترابية متعرجة. ويعد الوصول إلى المياه النظيفة أمر نادر، ومرافق الصرف الصحي بعيدة المنال تقريباً، مما يخلق ظروفاً تنتشر فيها الأمراض. ومن بين هذه الأمراض، تظل الكوليرا الوباء الأطغى، الذي يهدد حياة الأسر التي تكافح من أجل العيش.
تتفشى الكوليرا في اليمن منذ عام 2016، ولكن بحلول أواخر عام 2023، شكَّل هذا الوباء حالة طوارئ عامة. بدأت حالات الإسهال المائي الشديد في الارتفاع بمعدل ينذر بالخطر، مما دفع فريق العمل الوطني لمكافحة الكوليرا إلى إعلان الموجة الأولى من تفشٍ جديد. وفي مخيمات كمخيم الجفينة، حيث تعاني الأسر من الاكتظاظ ونقص الضروريات، يضرب المرض بشدة.
كان الآباء يراقبون أطفالهم وهم يضعفون يوما بعد يوم، مع محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية، مما ترك العديد منهم بلا مكان يلجؤون إليه. تم الإبلاغ عن أكثر من 240,000 حالة مشتبه إصابتها بالكوليرا، وفُقِدت مئات الأرواح، والكثير منهم من الأطفال الصغار.
بالنسبة لبسمة، وهي أم لثلاثة أطفال فرت من تعز في عام 2018، جلب تفشي المرض الخوف وعدم اليقين. فتوضح قائلةً: "نحن نعيش في أماكن مكتظة، ونتقاسم الطعام والماء. عندما بدأ تفشي المرض، كنت خائفة على أطفالي. لم نكن نعرف كيف نحمي أنفسنا أو ما هو الكوليرا".
كانت بسمة ترى تفشي المرض بمثابة تذكير صارخ بمدى هشاشة الحياة في المخيم. ففي ظل غياب الرعاية الصحية أو الموارد الطبية الموثوقة، تلجأ العديد من الأسر إلى العلاجات التقليدية، في محاولة للحصول على حلول نادراً ما تنجح. تحولت أسوأ مخاوف بسمة إلى حقيقة عندما أصيب ابنها البالغ من العمر عامين بإسهال شديد.
"كان وضعه يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، لذلك هرعت به إلى المركز الصحي في المخيم وتصرف الأطباء بسرعة. لا أعرف ماذا كان ليحدث لو لم يتصرفوا". – بسمة، أمٌ نازحة
نقطة تحول
افتتحت المنظمة الدولية للهجرة مركز علاج الإسهال في الجفينة في عام 2024، مما يمثل نقطة تحول حاسمة لأسر مثل أسرة بسمة من خلال توفير رعاية منقذة للحياة لمجتمع حُرِم منذ فترة طويلة من الخدمات الصحية الضرورية. وقبل إنشاء المركز، كانت الأمراض البسيطة أحياناً تتفاقم بسرعة إلى حالات طوارئ تهدد الحياة.
بالنسبة لبسمة، التي سارعت بنقل طفلها البالغ من العمر عامين إلى المركز خوفاً من الكوليرا، كانت الرعاية التي تلقتها فورية ومطمئنة. قرر الأطباء بسرعة أن الإسهال الشديد الذي يعاني منه طفلها كان بسبب التسنين وليس الكوليرا. تقول، وهي مرتاحة لتعافي طفلها في غضون أيام: "كان وجود المركز بالقرب مني نعمة".
ويوضح مساعد عبد الله، مساعد صحي في المنظمة الدولية للهجرة في مأرب: "يقدم المركز خدمات مجانية وفعالة. نقوم بفحص كل مريض عند وصوله، وعلاج الحالات الخفيفة بالإماهة الفموية، ومراقبة الحالات الشديدة مع إعطائها السوائل الوريدية حتى تستقر. ومنذ افتتاح مركز علاج الإسهال، تلقى العلاج أكثر من 1,500 مريض كانوا يعانون من الإسهال الخفيف إلى المتوسط".
وإدراكاً للحاجة الماسة إلى توفير الرعاية الصحية، لعبت المنظمة الدولية للهجرة دوراً محورياً في إنشاء وتشغيل مراكز علاج الإسهال ونقاط الإماهة الفموية في ثماني محافظات. يقول الدكتور فواز، مسؤول الصحة في المنظمة الدولية للهجرة في مأرب: "لقد أحدث تدريب فرق الرعاية الصحية التابعة لنا فرقاً حقيقياً"، مؤكداً بذلك على أهمية تزويد العاملين في مجال الرعاية الصحية بالمهارات اللازمة لإدارة مثل هذه الأزمات.
التثقيف الصحي
إلى جانب تقديم الخدمات العلاجية، أصبح مركز علاج الإسهال مركزاً للتثقيف الصحي في الجفينة، حيث تعمل فرق الصحة التابعة للمنظمة الدولية للهجرة على تعزيز ممارسات النظافة الأساسية في جميع أنحاء المخيم. فقد أدت توعية الأسر بأهمية غسل اليدين بالصابون وغلي الماء قبل الشرب إلى تقليل خطر الإصابة بالكوليرا بشكل كبير.
وقد كان لهذه الدروس التثقيفية أثر في حياة بسمة، حيث تقول: "أتأكد الآن من نظافة أطفالي وشرب الماء المغلي. فهذه الخطوات الصغيرة تحمينا". وتقوم فرق المنظمة الدولية للهجرة بزيارات منزلية وتوزيع مواد تثقيفية للحد من المخاطر والتأكيد على أهمية تدابير النظافة المنتظمة. ويعمل هذا النهج الاستباقي على تمكين الأسر من تولي مسؤولية سلامتها، ويساعد في إنشاء مجتمع أكثر صحة ومرونة.
على الرغم من التمويل المحدود والضغط الهائل على النظام الصحي في اليمن، تظل المنظمة الدولية للهجرة ملتزمة بتوفير الرعاية الصحية للفئات الأكثر ضعفاً. ومع ذلك، فإن إغلاق المرافق الصحية الأخرى والاكتظاظ في مخيمات النازحين وضع ضغوطاً متزايدة على مركز علاج الإسهال في الجفينة.
"نستقبل الآن عدداً كبيراً من الحالات. في الشهر الماضي فقط، عالجنا حوالي 700 مريض، معظمهم من الأطفال دون سن الخامسة". – مساعد عبد الله، مساعد صحي في المنظمة الدولية للهجرة
المثابرة لتقديم الرعاية
على الرغم من هذه الجهود، لا تزال الأسباب الجذرية للمرض قائمة. فالاكتظاظ ونقص المياه النظيفة يجعلان تفشي المرض خطراً دائماً. يوضح مساعد: "التحدي الأكثر إلحاحاً هو الافتقار إلى البنية التحتية المناسبة". تضم محافظة مأرب أكثر من 230 مخيماً، وبحلول نهاية عام 2023، كانت تؤوي أكثر من مليوني نازح. مما يضع ضغطاً هائلاً على نظامها الصحي الهش.
ويظل العاملون الصحيون في مركز علاج الإسهال مثابرين على الرغم من التحديات الهائلة التي يواجهونها. تقول علياء محمد، ممرضة في المركز: "تذكرنا كل حالة تعافي بأهمية عملنا. قد تكون الموارد محدودة، لكن مشاهدة المرضى وهم يتعافون يحفزنا على الاستمرار كل يوم".
ويتسع نطاق جهود المنظمة الدولية للهجرة ليشمل دعم 20 نقطة إماهة فموية، وتجهيز خمسة مراكز علاج إسهال بالمستلزمات الأساسية، وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية على التشخيص المبكر والعلاجات القياسية. ومع ذلك، فإن استدامة هذه الخدمات تتطلب تمويلًا عاجلاً.
يقول الدكتور فواز: "كل مريض يمر عبر أبوابنا هو طفل أو والد أو شقيق لشخص ما. نحن بحاجة إلى الدعم للحفاظ على استمرار عمل هذه المراكز وإعطاء الأسر فرصة للصمود."