كلمة خاصة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن العمل المناخي ”ساعة الحقيقة“
--
نيويورك، 5 حزيران/يونيه 2024
الرئيس ديكاتور،
المبعوث الخاص بلومبرغ،
أيها الأصدقاء الأعزاء،
اليوم هو اليوم العالمي للبيئة.
وهو أيضا اليوم الذي يعلن فيه مرصد كوبرنيكوس لتغير المناخ التابع للمفوضية الأوروبية رسميا أن أيار/مايو 2024 هو أشد أشهر أيار/مايو حرا في التاريخ المسجل.
ويمثل هذا اثني عشر شهرا متتالية من أشد الشهور حرا على الإطلاق.
فعلى مدار العام الماضي، شهد كل منعطف في التقويم زيادة في الحرارة.
إن كوكبنا يحاول أن يخبرنا بشيء ما. لكن يبدو أننا لا نستمع.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
إن المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي هو المكان المثالي لتوضيح هذه النقطة.
فهذا المتحف العظيم يروي القصة المذهلة لعالمنا الطبيعي. يروي قصة القوى الهائلة التي شكلت الحياة على الأرض على مدى بلايين السنين.
وليست البشرية سوى نقطة صغيرة على الرادار.
لكننا، مثل النيزك الذي قضى على الديناصورات، نحدث تأثيرا أكبر مما ينبغي.
ففي حالة المناخ، لسنا نحن الديناصورات.
إنما نحن النيزك.
فلسنا فحسب في خطر.
إننا نحن الخطر.
لكننا أيضا نحن الحل.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
لقد أزفت ساعة الحقيقة.
والحقيقة هي ... أنه بعد مضي ما يقرب من عشر سنوات على اعتماد اتفاقية باريس، فإن هدف الإبقاء على الاحترار العالمي على المدى الطويل في حدود 1,5 درجة مئوية معلق بخيط رفيع.
والحقيقة هي ... أن العالم ينفث الانبعاثات بسرعة كبيرة لدرجة أنه من شبه المؤكد أن ارتفاعا أعلى بكثير سيحدث في درجة الحرارة.
إذ تكشف بيانات جديدة أصدرها اليوم علماء كبار في مجال البيئة أن ميزانية الكربون المتبقية للإبقاء على الاحترار على المدى الطويل في حدود 1,5 درجة مئوية تبلغ الآن 200 بليون طن.
وهذا هو الحد الأقصى لكمية ثاني أكسيد الكربون التي يمكن أن يتحملها الغلاف الجوي للأرض إذا أردنا أن تكون لدينا فرصة للبقاء ضمن الحد الأقصى.
والحقيقة هي ... أننا نستنفد الميزانية بسرعة متهورة - إذ ننفث حوالي 40 بليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
ويمكننا جميعا أن نقوم بعملية حسابية.
فبهذا المعدل، ستستنفد ميزانية الكربون بكاملها قبل عام 2030.
والحقيقة هي ... أن الانبعاثات العالمية ينبغي أن تنخفض بنسبة تسعة في المائة كل عام حتى عام 2030 للحفاظ على إمكانية الإبقاء على الاحترار في حدود 1,5 درجة مئوية.
لكنها بدلا من ذلك تنحو منحى خاطئا.
ففي العام الماضي، ارتفعت بنسبة واحد في المائة.
والحقيقة هي ... أننا نواجه بالفعل حالات دخول إلى دائرة 1,5 درجة مئوية.
فقد أفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية اليوم أن هناك احتمالا بنسبة ثمانين في المائة لأن يتجاوز المتوسط العالمي السنوي لدرجة الحرارة حد 1,5 درجة مئوية في واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة.
وفي عام 2015، كان احتمال حدوث ذلك قريبا من الصفر.
وهناك احتمال بنسبة خمسين إلى خمسين في المائة لأن يكون متوسط درجة الحرارة لفترة الخمس سنوات المقبلة بأكملها أعلى بمقدار 1,5 درجة مئوية مما كان عليه في ما قبل الحقبة الصناعية.
إننا نغامر بكوكبنا.
وإننا بحاجة إلى مخرج من الطريق السريع المؤدي إلى الجحيم المناخي.
والحقيقة هي ... أننا نتحكم في دفة الأمور.
فلا يزال هدف الإبقاء على الاحترار العالمي في حدود 1,5 درجة مئوية ممكنا إلى حد ما.
ودعونا نتذكر – إنها حدود على المدى الطويل - تقاس على مدى عقود، وليس على مدى شهور أو سنوات.
وتجاوز العتبة لفترة قصيرة لا يعني الفشل في بلوغ الهدف الطويل الأمد.
إنه يعني أننا بحاجة إلى أن نكافح أكثر.
الآن.
والحقيقة هي ... أن المعركة للإبقاء على الاحترار العالمي في حدود 1,5 درجة مئوية سيتم الظفر بها أو خسارتها في عشرينيات هذا القرن - تحت أنظار القادة اليوم.
وكل شيء يتوقف على القرارات التي يتخذها هؤلاء القادة - أو لا يتخذونها - خاصة في الأشهر الثمانية عشر المقبلة.
لقد حانت اللحظة الحاسمة في مجال المناخ.
فالحاجة إلى العمل غير مسبوقة، لكن الفرصة غير مسبوقة أيضا - ليس فقط للوفاء بمتطلبات المناخ، ولكن أيضا للوفاء بمتطلبات الرخاء الاقتصادي والتنمية المستدامة.
ولا يجوز أن يكون العمل المناخي أسيرا للانقسامات الجيوسياسية.
لذلك، بينما يجتمع العالم في بون لإجراء محادثات المناخ، ويستعد لمؤتمري قمة مجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين، ودورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، والدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، نحتاج إلى أقصى قدر من الطموح، وأقصى قدر من التسريع، وأقصى قدر من التعاون.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
لماذا كل هذه الضجة بشأن حد 1,5 درجة مئوية؟
لأن كوكبنا كتلة من النظم المعقدة والمترابطة. وكل جزء من درجة مئوية من الاحترار العالمي مهم.
ويمكن أن يكون الفرق بين 1,5 درجة مئوية ودرجتين مئويتين هو الفرق بين الانقراض والبقاء على قيد الحياة لبعض الدول الجزرية الصغيرة والمجتمعات الساحلية.
هو الفرق بين تقليل فوضى المناخ إلى أدنى حد وعبور نقاط التحول الخطيرة.
إن 1,5 درجة مئوية ليس غاية. إنه ليس هدفا. إنه حد مادي.
وقد نبهنا العلماء إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سيعني بشكل مؤكد ما يلي:
انهيار الصفيحة الجليدية في غرينلاند والصفيحة الجليدية في أنتاركتيكا الغربية مع ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل كارثي؛
وتدمير نظم الشعاب المرجانية الاستوائية وسبل عيش 300 مليون شخص؛
وانهيار تيار بحر لابرادور الذي سيزيد من الإخلال بأنماط الطقس في أوروبا؛
وذوبان التربة الصقيعية على نطاق واسع الذي سيؤدي إلى إطلاق مستويات مدمرة من غاز الميثان، وهو أحد أقوى غازات الاحتباس الحراري.
وحتى اليوم، نحن ندفع حدود الكوكب إلى حافة الهاوية – إذ نحطم أرقاما قياسية في درجات الحرارة العالمية ونحصد ما زرعناه.
ومن الاستهزاء بالعدالة المناخية أن يكون من هم أقل مسؤولية عن الأزمة هم الأشد تضررا: وهم أفقر الناس؛ وأكثر البلدان ضعفا؛ والشعوب الأصلية؛ والنساء والفتيات.
فشريحة الواحد في المائة الأغنى في العالم تصدر ما يصدره ثلثا البشرية من الانبعاثات.
وتتراكم الظواهر المتطرفة التي تؤججها فوضى المناخ:
لتتسبب في حدوث خسائر في الأرواح، وإلحاق أضرار جسيمة بالاقتصادات، وإلحاق أضرار فادحة بالصحة؛
وفي تدمير التنمية المستدامة؛ وإجبار الناس على ترك منازلهم، وزعزعة أسس السلام والأمن – إذ يعمد الناس إلى النزوح وتتعرض الموارد الحيوية للاستنزاف.
وفي هذا العام نفسه، ضربت موجة حر شديدة آسيا حيث سجلت درجات حرارة غير مسبوقة - أدت إلى تدني المحاصيل، وإغلاق المدارس، وسقوط أرواح بشرية؛
فمدن مثل نيودلهي وباماكو ومكسيكو تصل فيها الحرارة درجات حارقة.
وهنا في الولايات المتحدة، أدت عواصف وحشية إلى تدمير مجتمعات وحدوث خسائر في الأرواح.
وشهدنا إعلان كوارث جفاف في جميع أنحاء منطقة الجنوب الأفريقي.
والأمطار الغزيرة تغمر شبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا والبرازيل.
وابيضاض المرجان العالمي الواسع النطاق الناجم عن درجات حرارة المحيطات غير المسبوقة، التي ارتفعت لتتجاوز أسوأ التنبؤات الصادرة عن العلماء.
وتكلفة كل هذه الفوضى تضرب الناس حيث يؤلم الضرب:
من سلاسل التوريد المقطوعة، إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة انعدام الأمن الغذائي، وظهور المنازل والشركات غير القابلة للتأمين.
وستستمر تلك الفاتورة في الارتفاع. وحتى لو وصلت الانبعاثات إلى الصفر غدا، فقد وجدت دراسة حديثة أن فوضى المناخ ستظل تكلف ما لا يقل عن 38 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2050.
وتغير المناخ هو أصل كل الضرائب الخفية التي يدفعها الناس العاديون والبلدان والمجتمعات الضعيفة.
وفي الوقت نفسه، فإن عرابي فوضى المناخ - أي أرباب صناعة الوقود الأحفوري - يحققون أرباحا قياسية ويستفيدون من تريليونات الدولارات من الإعانات الممولة من دافعي الضرائب.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
إن لدينا ما نحتاجه لإنقاذ أنفسنا.
فغاباتنا وأراضينا الرطبة ومحيطاتنا تمتص الكربون من الغلاف الجوي. وهي حيوية للحفاظ على 1,5 درجة مئوية، أو إنقاذنا إذا تجاوزنا هذا الحد. ويجب علينا أن نحميها.
ولدينا التكنولوجيات التي نحتاجها لخفض الانبعاثات.
وتزدهر مصادر الطاقة المتجددة مع انخفاض التكاليف وإدراك الحكومات لفوائد الهواء الأنظف والوظائف الجيدة وأمن الطاقة وزيادة الحصول على الطاقة.
وطاقة الرياح البرية والطاقة الشمسية هما أرخص مصدر للكهرباء الجديدة في معظم أنحاء العالم - وظلت كذلك لسنوات.
وتشكل مصادر الطاقة المتجددة بالفعل نسبة ثلاثين في المائة من إمدادات الكهرباء في العالم.
وبلغت استثمارات الطاقة النظيفة مستوى قياسيا في العام الماضي - إذ تضاعفت تقريبا في السنوات العشر الماضية.
وتشهد مصادر الكهرباء من الرياح والشمس نموا أسرع من أي مصدر آخر للكهرباء في التاريخ.
والمنطق الاقتصادي يجعل نهاية عصر الوقود الأحفوري حتمية.
والسؤالان الوحيدان هما: هل تلك النهاية ستأتي في الوقت المناسب؟ وهل سيكون الانتقال عادلا؟
أيها الأصدقاء الأعزاء،
يجب علينا أن نتأكد من أن الإجابة على السؤالين هي بنعم.
ويجب علينا أن نؤمن مستقبلا للناس والكوكب يكون الأكثر أمانا قدر الإمكان.
وهذا يعني اتخاذ إجراءات عاجلة، لا سيما خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة:
لخفض الانبعاثات؛
وحماية الناس والطبيعة من الظواهر المناخية المتطرفة؛
وتعزيز التمويل المناخي؛
وتضييق الخناق على صناعة الوقود الأحفوري.
واسمحوا لي بأن أتناول كل عنصر على حدة.
أولا، إجراء تخفيضات هائلة في الانبعاثات، بقيادة كبار مصدري الانبعاثات.
إن بلدان مجموعة العشرين تصدر ثمانين في المائة من الانبعاثات العالمية - وتتحمل
مسؤولية القيام بدور طلائعي ولديها القدرة على أن تقوم به.
وينبغي لاقتصادات مجموعة العشرين المتقدمة قطع أشواط أبعد وبوتيرة أسرع؛
وإظهار التضامن المناخي من خلال توفير الدعم التكنولوجي والمالي لاقتصادات مجموعة العشرين الناشئة والبلدان النامية الأخرى.
ويجب أن تقدم الحكومات في العام المقبل ما يسمى بالمساهمات المحددة وطنيا - وبعبارة أخرى الخطط الوطنية للعمل المناخي. وسوف تحدد هذه المساهمات الانبعاثات للسنوات القادمة.
وفي الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وافقت على مواءمة تلك الخطط مع هدف الإبقاء على الاحترار في حدود 1,5 درجة مئوية.
ويجب أن تتضمن هذه الخطط الوطنية أهدافا مطلقة لخفض الانبعاثات لعامي 2030 و2035.
ويجب أن تغطي جميع القطاعات، وجميع غازات الدفيئة، والاقتصاد بأكمله.
ويجب أن تظهر كيف ستساهم البلدان في الانتقال العالمي الضروري إلى الحفاظ على حد 1,5 درجة مئوية - بحيث تضعنا هذه الخطط على الطريق الصحيح نحو:
بلوغ الصافي الصفري العالمي بحلول عام 2050؛ والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري؛ وتحقيق إنجازات عالمية على طول الطريق، عاما بعد عام، وعقدا بعد عقد.
ويشمل ذلك المساهمة في خفض الإنتاج والاستهلاك العالميين من جميع أنواع الوقود الأحفوري بنسبة لا تقل عن ثلاثين في المائة؛ والوفاء بالالتزامات المقطوعة في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بخصوص إنهاء إزالة الغابات ومضاعفة كفاءة الطاقة وزيادة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، كل ذلك بحلول عام 2030.
ويجب على كل بلد أن ينجز ويؤدي دوره الصحيح.
وهذا يعني عمل قادة مجموعة العشرين في إطار من التضامن لتسريع خطى تحقيق انتقال عالمي عادل في مجال الطاقة يتماشى مع هدف الإبقاء على الاحترار في حدود 1,5 درجة مئوية:
إننا بحاجة إلى التعاون لا إلى توجيه أصابع الاتهام.
وهذا يعني قيام مجموعة العشرين بمواءمة خططها الوطنية للعمل المناخي واستراتيجياتها للطاقة وخططها لإنتاج الوقود الأحفوري واستهلاكه مع مستقبل يحافظ فيه على حد 1,5 درجة مئوية.
وهذا يعني تعهد مجموعة العشرين بإعادة تخصيص الإعانات بتحويلها من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، والتخزين، وتحديث الشبكات، ودعم المجتمعات الضعيفة.
وهذا يعني التزام مجموعة الدول السبع وبلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي الأخرى بما يلي: وقف استخراج الطاقة من الفحم بحلول عام 2030؛ وإنشاء نظم طاقة خالية من الوقود الأحفوري، وخفض العرض والطلب من النفط والغاز بنسبة ستين في المائة - بحلول عام 2035.
وهذا يعني قيام جميع البلدان بوقف مشاريع الفحم الجديدة - الآن. وخاصة في آسيا، التي هي موطن لخمسة وتسعين في المائة من قدرات طاقة الفحم الجديدة المخطط لها.
وهذا يعني قيام الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بإعداد خطط للعمل المناخي تضعها على طريق وقف استخراج الطاقة من الفحم بحلول عام 2040.
وهذا يعني قيام البلدان النامية بوضع خطط وطنية للعمل المناخي تتضاعف كخطط استثمارية، وحفز التنمية المستدامة، وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
وتقوم الأمم المتحدة بتعبئة منظومتنا بأكملها لمساعدة البلدان النامية على تحقيق ذلك من خلال مبادرتنا المعنونة ”الوعد المناخي“.
ويجب أن تكون كل مدينة ومنطقة وصناعة ومؤسسة مالية وشركة جزءا من الحل.
ويجب عليها تقديم خطط انتقال محكمة بحلول الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ العام المقبل في البرازيل - على أبعد تقدير:
خطط تتماشى مع هدف الحفاظ على الاحترار في حدود 1,5 درجة مئوية، وتوصيات فريق الخبراء الرفيع المستوى التابع للأمم المتحدة المعني بتعهدات الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصافي الصفري.
وخطط تغطي الانبعاثات عبر سلسلة القيمة بأكملها؛
وتشمل أهدافا مؤقتة وعمليات تحقق شفافة؛
وتبتعد عن تعويضات الكربون المشكوك فيها التي تقوض ثقة الجمهور بينما لا تفعل شيئا يذكر أو لا تفعل شيئا على الاطلاق لمساعدة المناخ.
ولا يمكنك خداع الطبيعة. فالحلول الكاذبة تأتي بنتائج عكسية.
وأشجع أيضا العلماء والمهندسين على التركيز بشكل عاجل على إزالة ثاني أكسيد الكربون وتخزينه - للتعامل بأمان واستدامة مع الانبعاثات النهائية من الصناعات الثقيلة التي يصعب تنظيفها.
وأحث الحكومات على دعمهم.
واسمحوا لي أن أكون واضحا: إن هذه التكنولوجيات ليست حلا سحريا؛ فلا يمكن أن تكون بديلا عن تخفيضات جذرية في الانبعاثات أو ذريعة لتأخير التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
لكننا بحاجة إلى العمل على كل الجبهات.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
إن مجال العمل الثاني هو تعزيز أوجه الحماية في مواجهة فوضى المناخ اليوم وغدا.
وإنه لمن المخزي أن تُترك الفئات الأكثر ضعفا في مهبّ الريح، تصارع يائسة للتغلب على أزمة مناخية لم يكن لها أي دور في ظهورها.
ولا يمكننا أن نقبل مستقبلا ينعم فيه الأغنياء بالهواء المكيّف داخل أبراج محمية، بينما ترزح بقية البشرية تحت وطأة طقس فتاك في أراض لا تصلح للعيش.
فيتعين علينا صون سلامة الناس وحماية الاقتصادات.
ويجب حماية كل شخص على وجه الأرض بإتاحة نظام للإنذار المبكر بحلول عام 2027. وأحث جميع الشركاء على زيادة الدعم المقدم لخطة عمل الأمم المتحدة لإتاحة نظم الإنذار المبكر للجميع.
وفي نيسان/أبريل، أعلنت مجموعة الدول السبع انطلاق تشغيل مركز تسريع التكيف.
وبحلول الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، يجب أن تُترجم هذه المبادرة إلى تدابير ملموسة - لدعم البلدان النامية في جهودها الرامية إلى وضع خطط استثمارية في مجال التكيف والشروع في تنفيذها.
وإنني أحث جميع البلدان على أن تحدد بوضوح احتياجاتها في مجالي التكيف والاستثمار في خططها الوطنية الجديدة المتعلقة بالمناخ.
لكن إحداث التغيير على أرض الواقع رهنٌ بالتمويل المتاح لتحقيقه.
فلكل دولار لازم لتحقيق التكيف مع الظواهر الجوية القصوى، لا تُتاح سوى خمسة سنتات تقريبا.
وكخطوة أولى، يجب على جميع البلدان المتقدمة النمو أن تفي بالتزامها بمضاعفة حجم التمويل المخصص لتدابير التكيف من أجل الوصول به إلى ما لا يقل عن 40 بليون دولار سنويا بحلول عام 2025.
ويجب عليها أن تضع خطة واضحة لسد الفجوة التمويلية لجهود التكيف بحلول الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في تشرين الثاني/نوفمبر.
ولكننا نحتاج أيضا إلى المزيد من الإصلاحات الجوهرية.
وهو ما يقودني إلى النقطة الثالثة التي أود طرحها، ألا وهي التمويل.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
إذا كان المال هو الوقود الذي يحرك عجلة العالم، فإن التدفقات المالية غير المتكافئة اليوم تدفع بنا في دوامة نحو الكارثة.
ولذا يجب أن يكون النظام المالي العالمي جزءا من الحل المناخي.
فالمبالغ الضخمة المطلوب دفعها لسداد الديون تستنفد الأموال المتاحة للعمل المناخي.
وتكاليف رأس المال التي تصل إلى درجة الابتزاز تجعل مصادر الطاقة المتجددة عمليا بعيدة عن متناول معظم الاقتصادات النامية والناشئة.
والمدهش في هذا الصدد أنه على الرغم من الطفرة التي شهدتها مصادر الطاقة المتجددة في السنوات الأخيرة، ظلت مستويات الاستثمار في الطاقة النظيفة في الاقتصادات النامية والناشئة، بخلاف الصين، ثابتة منذ 2015.
وفي العام الماضي، لم تتجاوز خمسة عشر في المائة نسبةُ الاستثمارات الجديدة في مجال الطاقة النظيفة الموجهة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية – من غير الصين – أي إلى بلدان تمثل ما يقرب من ثلثي سكان العالم.
وأما أفريقيا، فقد استضافت أقل من واحد في المائة من منشآت الطاقة المتجددة في العام الماضي، على الرغم مما تزخر به من موارد طبيعية وإمكانات هائلة فيما يتعلق بمصادر الطاقة المتجددة.
وتفيد تقارير وكالة الطاقة الدولية أن استثمارات الطاقة النظيفة في الاقتصادات النامية والناشئة، بخلاف الصين، ينبغي أن تصل إلى 1,7 تريليون دولار سنويا بحلول أوائل عام 2030.
وباختصار، نحن بحاجة إلى قفزة نوعية في التمويل الميسور التكلفة من القطاعين العام والخاص للدفع قدما بخطط مناخية جديدة وطموحة، وتمكين الجميع من طاقة نظيفة وميسورة التكلفة.
ويمثل مؤتمر القمة المعني بالمستقبل التي سيُعقد في أيلول/سبتمبر المقبل فرصة لدفع عجلة إصلاح الهيكل المالي الدولي واتخاذ إجراءات بشأن الديون. وأنا أحث البلدان على اغتنام هذه الفرصة.
وأحث مؤتمري القمة لمجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين على الالتزام باستخدام نفوذهما لدى المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف لجعلها أفضل وأكبر وأكثر طموحا، وتعزيز قدرة هذه المصارف على حشد قدر أكبر بكثير من التمويل الخاص.
ويجب على البلدان أن تقدم مساهمات كبيرة إلى صندوق الخسائر والأضرار المنشأ حديثا. ويجب عليها أن تكفل بدء تشغيله بحلول الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
ويجب على البلدان أيضا أن توحد صفوفها لضمان التوصل، في دورة هذا العام من مؤتمر الأطراف، إلى نتائج حاسمة في مجال التمويل- نتائج تساهم في بناء الثقة وتبعث على الاطمئنان، وتحفز حشد التريليونات المطلوبة، وتخلق الزخم اللازم لإصلاح المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف.
ولكن تلك الجهود كلها لن تكفي في غياب مصادر جديدة ومبتكرة للتمويل.
فقد حان الوقت لتحديد سعر فعلي للكربون وفرض ضرائب على الأرباح الخارقة التي تجنيها شركات الوقود الأحفوري.
وبحلول الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، نحتاج إلى الانتقال المبكر من حيز الاستكشاف إلى حيز تنفيذ الجباية التضامنية على قطاعات مثل الشحن والطيران واستخراج الوقود الأحفوري - للمساعدة في تمويل العمل المناخي.
ويجب أن تكون هذه الجباية تناسبية وعادلة، مع سهولة تحصيلها وإدارتها.
وكل ذلك لا يندرج في باب العمل الخيري.
وإنما يصبّ في باب المصلحة الذاتية المستنيرة.
فتمويل العمل المناخي ليس تفضّلا. بل هو شرطٌ أساسي لضمان مستقبل يوفر مقومات العيش للجميع.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
رابعا وأخيرا، يجب أن نواجه مباشرة الجهات العاملة في صناعة الوقود الأحفوري، والتي عملت بلا هوادة على مدى عقود من الزمن من أجل عرقلة التقدم في هذا الصدد.
وبُذرت بلايين الدولارات لتشويه الحقائق، وتضليل الجمهور، وزرع بذور الشك في الأذهان.
أشكر الأكاديميين والناشطين والصحفيين والمبلّغين عن المخالفات، الذين كشفوا هذه التكتيكات - وقاموا بذلك في كثير من الأحيان معرِّضين أنفسهم لمخاطر شخصية ومهنية كبيرة.
وأدعو القادة في صناعة الوقود الأحفوري إلى التفكر في حقيقة أن عدم التحاقكم بالمسار السريع للتحول إلى الطاقة النظيفة يعني السير بمشاريعكم التجارية نحو طريق مسدود - وجرفنا جميعا معكم إلى ذلك المصير.
ففي العام الماضي، استثمر قطاع النفط والغاز في الطاقة النظيفة نسبة تافهة لم تتجاوز 2,5 في المائة من إجمالي إنفاقه الرأسمالي.
فالتمسك بالوقود الأحفوري في القرن الحادي والعشرين كالتمسك بحدوة الأحصنة وعجلات العربات التي تجرها الخيول في القرن التاسع عشر.
والحالة هذه، أوجه الخطاب إلى قادة قطاع الوقود الأحفوري وأقول لهم: إن الأرباح الضخمة التي بحوزتكم تمنحكم الفرصة لقيادة عملية التحول في مجال الطاقة. فاحرصوا على عدم تفويت هذه الفرصة.
وللمؤسسات المالية أيضا دورٌ حاسم في هذا الصدد.
فالمال له كلمته.
ويجب أن يكون أداة للتغيير.
وأحث المؤسسات المالية على التوقف عن تمويل الوقود الأحفوري المدمّر وبدء الاستثمار في ثورة عالمية للطاقات المتجددة؛
وعلى تقديم خطط عامة وموثوقة ومفصلة للانتقال من تمويل الوقود الأحفوري إلى تمويل الطاقة النظيفة مع تحديد أهداف واضحة لعامي 2025 و 2030؛
وأحثها أيضا على الإفصاح للمساهمين فيها وللهيئات التنظيمية التابعة لها عن المخاطر المناخية لأعمالها- المادية منها والانتقالية على حد سواء. وفي نهاية المطاف، ينبغي أن يكون هذا الإفصاح إلزاميا.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
لم يتورع الكثيرون في صناعة الوقود الأحفوري عن نشر ادعاءات زائفة بحماية البيئة، حتى وهم يسعون سعيا حثيثا إلى تأخير العمل المناخي - من خلال ممارسة الضغوط والتلويح بالتهديدات القانونية وإطلاق الحملات الإعلانية الضخمة.
وقد وجدوا في شركات الإعلانات التجارية والعلاقات العامة من يساعدهم ويحرّضهم على ذلك – إنه جنون يغذيه جنون.
وإنني أدعو هذه الشركات إلى الإحجام عن التصرف كعناصر تمكينية لتدمير الكوكب.
أدعوكم إلى الكف عن التعاقد مع عملاء جدد بشأن الوقود الأحفوري اعتبارا من اليوم، ووضع خطط لإلغاء عقود العملاء الحاليين منهم.
ذلك أن الوقود الأحفوري لا يسمّم كوكبنا فحسب - بل يسمّم سمعتكم التجارية أيضا.
فقطاعكم يعجّ بالعقول المبدعة التي بدأت تحشد طاقاتها بالفعل لخدمة هذه القضية.
وقد بدأت تلك العقول تنجذب نحو الشركات التي تكافح من أجل كوكبنا - بدلا من تلك التي تدمّره.
كما أدعو البلدان إلى التحرك.
فثمة العديد من الحكومات التي تفرض قيودا أو حظرا على الإعلانات التي تروّج للمنتجات التي تضر بصحة الإنسان - من قبيل التبغ.
وقد بدأ بعض الحكومات في تبني النهج نفسه بشأن الوقود الأحفوري.
وإنني أحث كل بلد على حظر الإعلانات الصادرة عن شركات الوقود الأحفوري.
وأحث وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا لى التوقف عن بث إعلانات الوقود الأحفوري.
ويجب علينا أيضا معالجة جانب الطلب. فبوسعنا جميعا أن نُسهم إسهاما جوهريا، من خلال تبني التكنولوجيات النظيفة، والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في ممارسات حياتنا اليومية، واستخدام قوتنا كمواطنين للضغط من أجل إحداث تغيير بنيوي.
ففي مسارات الكفاح من أجل مستقبل صالح للعيش، يتفوّق الناس في كل مكان على السياسيين.
ارفعوا أصواتكم عاليا وحددوا خياراتكم بعناية.
أيها الأصدقاء الأعزاء،
أمامنا خيار.
إما إيجاد نقاط تحول تؤدي إلى إحراز تقدم في مجال المناخ -- أو الاتجاه إلى نقاط تحول تؤدي إلى كارثة مناخية.
ولا يمكن لأي بلد أن يحل أزمة المناخ بمعزل عن غيره.
إنها لحظة الرهان بكل شيء.
والأمم المتحدة تعمل بكل ثقلها على بناء الثقة، وإيجاد الحلول، وإلهام التعاون الذي يحتاجه عالمنا بشدة.
وأتوجه إلى الشباب والمجتمع المدني والمدن والمناطق والشركات وكل من هم في طليعة العاملين نحو عالم أنظف وأكثر أمانا، وأقول لهم: شكراً لكم.
فأنتم على الجانب الصحيح من التاريخ.
وأنتم تتحدثون بلسان الأغلبية.
فاستمروا على هذا النهج.
ولا تفقدوا شجاعتكم. وتمسكوا بحبل الأمل.
فالمعركة بيننا نحن شعوب العالم من جانب والملوثين والاستغلاليين من جانب آخر. ويدا في يدٍ يمكننا أن نكسب هذه المعركة.
لكن الوقت حان لكي يقرر القادة الانضمام إلى هذا الفريق أو ذاك.
فغدا سيكون الأوان قد فات.
ولا بد من التحرك الآن، ولا بد من العمل الآن، والوقت المناسب للتنفيذ هو الآن.
فهذه اللحظة هي لحظة الحقيقة.
شكراً لكم.