المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: رائحة الأمل (رحلة نعمة من النزوح إلى ريادة الأعمال)
المخاء، اليمن
في شوارع المخاء المفعمة، تلقي الشمس بظلالها الطويلة على السوق المزدحم، وتقف قطع الصابون التي صنعتها نعمة زاهيةً بين أكشاك الخضار المليئة بالمنتجات الطازجة.
وبيدين ارتسمت عليهما مشقة سنوات العمل في حصاد المحاصيل، تقوم نعمة بلف الأشرطة بدقة حول منتجاتها، لتحمل كل قطعة صابون وعداً بمستقبل أكثر إشراقاً لعائلتها.
كانت طفولة نعمة مليئة بالضحك والفرح، وهو تناقض صارخ مع واقعها الحالي الذي طغت عليه الحرب.
وتتذكر بفخر قائلةً: "كان والدي يعمل بناءً ويوفر كل شيء لأطفاله التسعة، من الرسوم المدرسية إلى الطعام والملابس."
فُجِعَت نعمة بوفاة والدها عندما تخرجت للتو من المدرسة الثانوية وكان عمرها بالكاد 18 عاماً. خلقت وفاة والدها المفاجئة فراغاً في حياتها وأثقلت كاهلها بمسؤوليات جديدة.
وتقول مستذكرةً الصعوبات التي توالت عليها: "سرعان ما أصبحت الحياة صعبة."
آثار الصراع
باعتبارها الابنة الكبرى، تولت نعمة مسؤولية مستقبل إخوتها. خلال النهار، كانت ترعى الماعز وتحصد المحاصيل مقابل أجر زهيد. وفي الليل، وعلى ضوء شمعة خافتة، تسمع تبادل الهمسات عن تضاؤل مؤنتهم من الغذاء.
قامت والدتها ببيع السلع المصنوعة يدوياً، بينما قامت نعمة، مدفوعة بالضرورة وروح ريادة الأعمال، ببيع ثلاثة من أغنامها وبدأت مشروعها الخاص كبائعة متجولة، تتنقل من قرية إلى أخرى لبيع الملابس.
في عام 2015، اندلع الصراع في اليمن، وأغرق البلاد في حالة من الفوضى وسط الفقر القائم. وسرعان ما وجدت نعمة نفسها غير قادرة على مواصلة عملها مع تزايد خطورة التنقل بسبب تصاعد الاشتباكات.
وتروي قائلة: "كان علينا العودة إلى العمل في المزارع."
كانت التحذيرات المستمرة بشأن الاشتباكات المسلحة والألغام تجعل من الخروج إلى العمل مجازفة، مما دفع الأسرة إلى النزوح، وزاد من غموض المصير المجهول.
بداية جديدة
ووفقاً لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2024 التي وضعها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يحتاج 18.2 مليون شخص - أكثر من نصف سكان اليمن - إلى المساعدات الإنسانية. فوجدت نعمة وأسرتها أنفسهم من بين 17.6 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي، مما يسلط الضوء على النضال واسع النطاق الذي تخوضه العديد من الأسر في اليمن.
ظلت الأسرة تتأرجح على الحافة لثماني سنوات طويلة، وتعيش على وجبة واحدة في اليوم. وأضحى التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية بعيدة المنال. ومع ذلك، تمسكت أخت نعمة الصغرى بحلمها في الالتحاق بالمدرسة. كانت نعمة مصممة على إيجاد حل لمساعدة أختها على تحقيق حلمها.
بزغ بصيص من الأمل عندما بدأت المنظمة الدولية للهجرة في تنظيم ورش عمل مهنية للنساء في الخوخة. تقول شموس طه، إحدى موظفات تعزيز النظافة في المنظمة الدولية للهجرة في المخاء: "لقد اخترنا 40 امرأة تعيش في حالة ضعف، والعديد منهن ربات أسر، وقمنا بتزويدهن بالمهارات المدرة للدخل."
وتوضح شموس أن شعبية الصابون تنبع من تنوع استخداماته، فهو يستخدم كغسول للجسم، وشامبو، ومنظف للملابس، ومن هنا جاء اسمه "صابون الشامل". ويتمثل الهدف الرئيسي لفريق تعزيز النظافة الآن في توسيع نطاق ورشة عمل صناعة الصابون لتشمل المزيد من النساء في مختلف مواقع النزوح في المخاء، مما يزيد من تأثير هذه المبادرة.
روح مجتمعية متجددة
ومن خلال المشاركة النشطة في ورش العمل هذه وغيرها من مبادرات تعزيز النظافة، تكتسب المجتمعات معارف ومهارات قيمة تساهم في تحسين ممارسات النظافة وتعزيز الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة، وبالتالي تعزيز بيئات معيشية أكثر صحة.
كانت عملية البيع الأولى لنعمة بمثابة بدايةٍ لرحلتها التي غيرت حياتها. "لقد بعت 64 قطعة صابون في يوم واحد!" قالت بفخر. وبعد أن كَسِبَت المال، تمكنت من شراء الطعام والملابس والأدوية وغيرها من الضروريات لأسرتها. كما حققت حلم أختها بتسجيلها في المدرسة.
ولتوسيع نطاق نجاحها، بدأت نعمة في مشاركة معرفتها من خلال تدريب النساء الأخريات على صناعة الصابون، وإرشادهن بصبر وإلهامهن بأنهن قادرات على تحقيق الاستقلال المالي.
فإضافةً إلى كسب الدخل، اكتسبت النساء اللاتي شاركن في ورشة العمل الثقة بالنفس والاعتماد على الذات. وأصبح بإمكانهن الآن إعالة أسرهن، وإرسال أطفالهن إلى المدارس، والحصول على الرعاية الصحية، واستعادة بعض مظاهر النظام وسط الفوضى.
تستكشف النساء الآن إمكانية توسيع إنتاجهن ليشمل منتجات النظافة الأخرى الموجودة عادة في مجموعات مستلزمات النظافة النسائية الموزعة على المجتمع. ويمكن لهذا النهج أن يعزز البرنامج من خلال جعل أساسيات النظافة مثل الصابون في متناول السكان المحليين. كما أنه يضمن استدامة المبادرة من خلال الاستفادة من السوق المحلية، بدلاً من الاعتماد فقط على الدعم الإنساني الخارجي.
الصمود المتجسد
شاركت النساء الأخريات، اللاتي حضرن ورشة العمل مع نعمة، حكايات مماثلة عن المشقة والقدرة على الصمود. وشكلن شبكة دعم، وقمن بالتشارك في الموارد لمساعدة بعضهن البعض. وبدأن بعقد شراكات مع المحلات التجارية المحلية، وتفاوضن على أسعار معقولة للمكونات، وعرضن منتجاتهن في الأسواق المحلية.
افتتحت نعمة وتسع نساء أخريات مؤخراً معملاً لتصنيع قطع الصابون الطبيعي بالقرب من قريتهن، حيث ينتجن أكثر من 200 قطعة صابون يومياً. وترددت أصداء نجاح تجارة الصابون في جميع أنحاء الحي، مما جذب النساء الأخريات المتحمسات للمشاركة.
وتضيف نعمة: "لم أعتقد قط أنني سأتعلم صناعة الصابون". أصبحت نعمة الآن قادرة على مزج زيت جوز الهند وزيت الزيتون والأعشاب المحلية بكفاءة لصنع قطع الصابون الطبيعي لتعيل أسرتها من خلال عملها الخاص. وأردفت قائلةً: "في بعض الأحيان، تحتاج إلى أن تحلم بأشياء كبيرة."