المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: سد الفجوة الصحية
تعزيز الرعاية الصحية للمهاجرين من خلال الحلول الرقمية
دينا، طبيبة في نقطة الاستجابة للمهاجرين التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في عدن، شهدت مواقف لا حصر لها ستظل بلا شك عالقة في ذاكرتها لسنوات.
تروي لنا دينا: "أتذكر بوضوح حادثة وصل فيها مهاجر وهو في حالة من الارتباك العميق واشتبهنا في البداية بأنه مصاب في الدماغ، ولكن تبين لاحقاً أنه كان يعاني من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية وتعاطي المخدرات".
لمساعدة مقدمي الرعاية الصحية في تقديم الرعاية المناسبة والفعالة للمهاجرين في حالات النزاع والأزمات، قدمت المنظمة الدولية للهجرة مؤخراً أداة رقمية مبتكرة تُعرف باسم السجل الصحي الشخصي الإلكتروني في المستشفيات التي تقدم الرعاية الصحية للمهاجرين في مأرب وعدن.
وتلعب هذه الأداة دوراً حاسماً في معالجة الثغرات في معلومات الرعاية الصحية الخاصة بالمهاجرين الذين يعبرون البلاد، وتقليل الحواجز اللغوية وتسهيل تكوين فهم أفضل لاحتياجات الرعاية الصحية للمهاجرين.
"لو كنا نعلم بشأن تاريخه الطبي، لجعل هذا استجابتنا أكثر سلاسة والعملية برمتها أكثر كفاءة."
الرحلة الطويلة للحصول على الرعاية الصحية
ونظراً للرحلة الصعبة التي يجب أن يتحملها المهاجرون القادمون من القرن الأفريقي، حيث يعبرون الصحراء والبحر لعدة أيام، فإن غالبية المارين عبر اليمن غالباً ما يصلون وهم يعانون من مشاكل صحية بالإضافة إلى الإعياء الشديد. تشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أكثر من 200 ألف مهاجر بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة في اليمن، ومع ذلك لا يستطيع الكثير منهم الحصول على الدعم الصحي.
انهار النظام الصحي في اليمن ببطء خلال ما يقرب من عشر سنوات من الصراع، ولم يتمكن من تلبية الطلب على الرعاية الصحية. وقد أدى هذا الوضع إلى تفاقم مواطن ضُعف المجتمعات المحلية، بما في ذلك المهاجرين، الذين لا يستطيعون الآن الوصول إلا إلى عدد قليل من المرافق الصحية التي تعمل بكامل طاقتها.
واستجابة لذلك، تلعب المنظمة الدولية للهجرة دوراً حاسماً في تقديم الخدمات الصحية المُنقذة للحياة للنازحين داخلياً والمهاجرين والمجتمعات المستضيفة، ودمج الاستجابة لتفشي الأمراض في برنامجها الصحي. ويُركز أحد المكونات الرئيسية على تعزيز النظام الصحي في اليمن من خلال إعادة تأهيل المرافق المتضررة بالصراع، وتوفير الأدوية والمعدات الطبية، ودعم الطاقم الطبي بالحوافز.
ويضمن هذا النهج استجابة تكيفية قائمة على الاحتياجات، مدعومة بأنشطة تقييمات ورصد شاملة. التواجد الميداني المُنتظم والتقييمات الصحية وآليات استقبال تعليقات المجتمع جميعها تُمكّن المنظمة الدولية للهجرة من التكيُف بشكل فعال مع الاحتياجات السياقية المتطورة.
تمكين مُقدمي الرعاية الصحية
في عام 2023، قدمت المنظمة الدولية للهجرة دعماً حيوياً لحوالي 76,000 مهاجر من خلال الاستشارات الطبية في جميع أنحاء اليمن. وجود لمحة شاملة عن التاريخ الصحي للمهاجرين يمكن أن يساعد مقدمي الرعاية الصحية بشكل كبير في تقديم الرعاية المناسبة والفعالة، وخاصة للمهاجرين الذين يطلبون الرعاية من مختلف مقدمي الرعاية الصحية في مواقع مختلفة.
يعمل الدكتور عبد الرحمن جسار كطبيب مُقيم متخصص في الطب الباطني في مستشفى الحصون في مأرب، وهو مرفق رعاية صحية حيوي تدعمه المنظمة الدولية للهجرة. هذا المستشفى مخصص لتقديم خدمات الرعاية الصحية الحيوية للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل، ومعالجة التحديات الفريدة التي تفرضها ظروفهم.
يؤكد الدكتور عبد الرحمن جسار أن "الوصول إلى التاريخ الطبي للمهاجر أمر بالغ الأهمية لفهم حالته الصحية ووضعه الطبي السابق." "وهذا بدوره يمكن أن يساعدنا في تضييق نطاق التشخيص والاختبارات اللازمة لتقييم حالة المريض."
وفقاً للدكتور جسار، يواجه المهاجرون عدداً لا يحصى من التحديات في الحصول على الرعاية الصحية. ما بين الحواجز اللغوية، ونقص الوثائق الشخصية وعدم كفاية الأموال لتغطية تكاليف الرعاية الصحية الخاصة، لا يجد المهاجرون في كثير من الأحيان أمامهم سوى خيار اللجوء إلى مرافق الرعاية الصحية العامة، التي غالباً ما تكون مكتظة.
يوضح الطبيب أن "المعلومات التي يمكن للمريض تقديمها للطبيب مهمة للغاية". "مع وجود أكثر من 300 اختبار يمكن تنفيذه، دون أي معلومات أولية، قد يكون تحديد تشخيص دقيق أمراً صعباً للغاية."
يتيح السجل الصحي الشخصي الإلكتروني تسجيل المعلومات الطبية الشاملة والوصول إليها لاحقاً، بما في ذلك التشخيص والأدوية والحساسية واللقاحات ونتائج الفحوصات والعلاجات السابقة للمهاجرين الذين يتلقون الرعاية الصحية في المستشفيات التي تدعمها المنظمة الدولية للهجرة.
طريقة العمل
يوضح الدكتور مراد عيدروس، مسؤول في برنامج صحة المهاجرين بالمنظمة الدولية للهجرة في عدن، "عندما يصل مهاجر ما إلى المنشأة الصحية، يرحب به مقدم الرعاية الصحية ويشرح له وظائف أداة السجل الصحي الشخصي الإلكتروني". "إذا وافق المهاجر على استخدام الأداة، يقوم الموظفون الصحيون بعد ذلك بالحصول موافقة المهاجر وتسجليها، وكذلك تسجيل معلومات المهاجر وتأريخه الصحي، وإدخالها في النظام."
وبالنظر إلى أن المهاجرين هم من بين المجتمعات الأكثر ضعفاً في اليمن، فإن حماية خصوصيتهم وضمان أمنهم أمر في غاية الأهمية. وتتضمن أداة السجل الصحي تدابير قوية لحماية سرية المعلومات الصحية الشخصية للمهاجرين.
بعد إدخال البيانات، يتلقى المهاجر بطاقة تحتوي على رمز استجابة سريعة خاص بسجله الطبي، حيث يمكنهم الاحتفاظ بهذه البطاقة بشكل آمن. وتتضمن هذه البطاقة المعلومات الأساسية للمهاجر، بينما يحمل رمز الاستجابة السريعة تاريخه الطبي الكامل، والذي يمكنه استخدامه عند زيارة منشأة صحية أخرى تستخدم النظام ذاته.
وبما أن هذا هو أول تطبيق لأداة السجل الصحي الشخصي الإلكتروني في اليمن، فقد أجرت المنظمة الدولية للهجرة عدة دورات تدريبية حول الاستخدام السليم للأداة لصالح الموظفين في القطاع الطبي في مأرب وعدن.
يقول هاني شايف، المساعد الطبي في المنظمة الدولية للهجرة في مأرب: "دربنا 50 فرد من مقدمي الرعاية الصحية من مكتب الصحة الحكومي ومكتب الصحة في المديرية وإدارات المستشفيات، بالإضافة إلى الطاقم الطبي في مستشفى الحصون".
شمل التدريب الذي استمر لثلاثة أيام موضوعات مختلفة تتعلق بالمهاجرين، بما في ذلك التحديات التي يواجهونها في الوصول إلى الرعاية الصحية، ورعاية الصحة العقلية للمهاجرين، والاعتبارات الثقافية، وتعريف واستخدام أداة السجل الصحي الشخصي الإلكتروني. وسيخضع المتدربون لمزيد من التدريب أثناء العمل في مستشفى الحصون بمجرد حصول المستشفى على معدات تكنولوجيا المعلومات اللازمة لاستخدام أداة السجل الصحي.
بعد أن خضعت للتدريب بالفعل، بدأت دينا تستخدم ما تعلمته في نقطة الاستجابة للمهاجرين بعدن منذ ديسمبر الماضي، حيث قامت بالفعل بتسجيل بيانات أكثر من 500 مريض.
وتصف دينا هذه الأداة قائلةً "هذه الأداة مذهلة، إنها تجعل عملنا أسهل وتشخيصاتنا أكثر دقة".