منظمة الأغذية والزراعة - اليمن: دعم كفاءة استخدام المياه لتحويل النظم الغذائية الزراعية في اليمن
بقلم الدكتور حسين جادين
يؤكد شعار يوم الأغذية العالمي لهذا العام، "المياه هي الحياة، المياه هي الغذاء"، على الصلة المباشرة بين المياه وسبل العيش. في بعض المجتمعات، تعتبر هذه الصلة من المسلمات نظراً لأن المياه وفيرة وإنتاج الغذاء مضمون. ليس هذا هو الحال في اليمن حيث المياه شحيحة والبلاد بحاجة ماسة إلى سياسات وأطر تنظيمية محسنة؛ بالإضافة إلى الاستثمارات في الحلول المستدامة لتحديات المياه المستمرة.
في اليمن، يتردد صدى تداعيات نقص المياه في جميع قطاعات المجتمع بطرق مقلقة للغاية. أحد الآثار المترتبة على نقص المياه في اليمن هو تهديد استعادة وتطوير النظم الغذائية المستدامة. بالتالي، فإن شبح انعدام الأمن الغذائي والتغذوي يلوح في الأفق. علاوة على ذلك، فإن شح المياه يعني محدودية الوصول إلى مياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي الموثوقة، مما يخلق الظروف الملائمة لانتشار الأمراض البكتيرية بسرعة، مثل الكوليرا، مما يعرض أعداداً كبيرة من السكان لخطر كبير. كما أن الصناعات التي تعتمد على المياه ليست بمنأى عن هذه المشكلة.
لا تزال اليمن، التي تُصنف كواحدة من أكثر دول العالم شحاً في المياه، تعاني من آثار النزاع المدمر الذي اندلع في عام 2015. يؤدي نقص المياه إلى زيادة حدة التوترات في بعض المجتمعات المحلية في البلاد، وفي بعض الأحيان تؤدي الصراعات إلى وقوع وفيات. بالإضافة إلى شح المياه، تعاني اليمن من عدم كفاءة استخدام المياه واستدامة موارد المياه، وهي قضايا تتكرر في بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
نظراً لأن اهتمام العالم يتركز على العلاقة بين المياه والغذاء والحياة، فإنه من المثالي تسليط الضوء على الوضع في اليمن وتسليط الضوء على كيفية استمرار قبضة نقص المياه في التضييق على الكثير من اليمنيين. هذا يؤدي إلى إضعاف تطلعاتهم إلى تحقيق الأهداف الأربعة الأفضل، وهي إنتاج أفضل وبيئة أفضل وتغذية أفضل وحياة أفضل[1].
في مثل هذا اليوم ننظر بشكل نقدي إلى طبيعة مشاكل المياه في اليمن ونقدم حلولاً مبتكرة ومستدامة وفعالة من حيث التكلفة وقابلة للتكيف، بحيث يدير اليمنيون موارد المياه بفعالية لتحقيق أجندة تحول نظمهم الغذائية.
الوضع المائي في اليمن: إلى أين تتدفق المياه7
لا تعاني اليمن من شح المياه فحسب، بل تعاني أيضاً من تناقص موارد المياه الجوفية، حيث تتجاوز عمليات سحب المياه الجوفية الحالية التغذية السنوية بمقدار الثلث، مما يترك عجزاً قدره 1.4 مليار متر مكعب. هذا العجز الهائل يهدد بشكل مباشر الإنتاج الزراعي في المستقبل. في اليمن، لا تتم إعادة التغذية إلا بشكل ضئيل للغاية أو لا تتم على الإطلاق في جميع أنحاء البلاد، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إعادة تغذية المياه الجوفية اصطناعياً، على سبيل المثال من خلال زيادة كمية المياه التي تدخل طبقات المياه الجوفية عن طريق إعادة توجيه المياه عبر القنوات. تساعد إعادة التغذية على موازنة نضوب المياه الجوفية، وبالتالي التخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ.
في اليمن، يستهلك الإنتاج الزراعي 90 بالمائة من المياه التي يتم سحبها، مقابل متوسط عالمي يبلغ 70 بالمائة. يذهب جزء كبير، حوالي 30 بالمائة، من كميات المياه الهائلة هذه التي يتم سحبها لإنتاج القات[2]. زراعة القات كثيفة الاستهلاك للمياه. يؤدي ارتفاع استهلاك المياه في زراعة القات إلى زيادة شح المياه المادي عن طريق خفض مصادر المياه السطحية والجوفية المتاحة.
يبدو المستقبل قاتماً أيضاً.
يعتمد قطاع الزراعة في اليمن بشكل كبير على هطول الأمطار، حيث يتم هطول الكثير من الأمطار في المرتفعات والمناطق الساحلية مع بقاء المناطق الداخلية قاحلة. تهطل معظم الأمطار في غضون فترات قصيرة ويُفقد معظمها. أشارت دراسة حديثة إلى أن هطول الأمطار في المستقبل في اليمن من المرجح أن يكون أقل فعالية[3] بالنسبة للإنتاج الزراعي. اليمن معرضة بشدة للأحداث المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ مما يجعل البلاد واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعلى مستوى العالم.
أدى تحرير قبضة نقص المياه إلى انعدام الأمن الغذائي.
في جلسة حول حالة الغذاء والزراعة: الإدارة المتكاملة للموارد المائية خلال مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة لهذا العام في يوليو، تم التأكيد على أن النظام المائي العالمي على وشك الانهيار. أقرت هذه الجلسة أيضاً بأن تحويل النظم الغذائية الزراعية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة على نحو مستدام سيتطلب إدارة متكاملة للموارد المائية[4]، وكفاءة في استخدام المياه في كل من الزراعة باستخدام مياه الري والزراعة باستخدام مياه الأمطار. أيضاً، تم توجيه طلب إلى منظمة الأغذية والزراعة، خلال هذه الدورة، لمواصلة تطوير المبادرات البرنامجية بشأن إدارة مخاطر الفيضانات والكوارث.
هذا الاعتراف العالمي بالدور المحوري لتوافر المياه في تحويل النظم الغذائية الزراعية يعني أنه ليس كل شيء يُفقد في البلاد طالما يمكن تغيير دفة الأمور. أظهرت التدخلات الحالية والسابقة التي تم تنفيذها من قبل منظمة الأغذية والزراعة أنه يمكن إنقاذ الوضع.
تسترشد تدخلات منظمة الأغذية والزراعة في اليمن بهذا التوجه العالمي، ولكنها مصممة خصيصاً لتتلاءم مع السياق المحلي. تم تصميم هذه التدخلات لدعم الإدارة المتكاملة للموارد المائية في الاستراتيجيات والسياسات الوطنية للتنمية المستدامة وخطط الاستثمار المشتركة بين القطاعات. الهدف من ذلك هو تلبية الحاجة المتزايدة إلى إنتاج الغذاء وضمان الوصول العادل إلى الغذاء وفي الوقت نفسه الحد من التدهور البيئي وآثار تغير المناخ وعكس مسارها.
يقتضي ذلك تنفيذ حلول عملية لمواجهة التحديات المتمثلة في تزايد محدودية كمية المياه المخصصة لإنتاج الغذاء وتدني جودتها. تساعد هذه التدخلات منظمة الأغذية والزراعة في اليمن على تحقيق الأهداف الأربعة الأفضل.
زيادة إنتاجية المياه الزراعية[5] من خلال أنظمة الري الأكثر كفاءة وتحسين ممارسات الإدارة الزراعية تُعد أمراً أساسياً لتحسين كفاءة استخدام المياه في اليمن. مع ذلك، فإن الاستثمار في تقنيات كفاءة استخدام المياه في اليمن كان ضئيلاً. حضر عدد قليل من شركاء التمويل إلى طاولة المفاوضات. أظهرت التدخلات القليلة التي تم تنفيذها من قبل منظمة الأغذية والزراعة نتائج مشجعة.
الاستفادة من خبرات منظمة الأغذية والزراعة لإيجاد حلول مستدامة لشح المياه في اليمن
شهد مشروع نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية الذي قامت منظمة الأغذية والزراعة بتجريبه في حوض صنعاء انخفاضاً في المياه المستخدمة في الأراضي المروية بنسبة 19 بالمائة؛ من 72.6 متر مكعب للهكتار في السنة إلى 58.56 متر مكعب للهكتار في السنة. تحقق ذلك من خلال اعتماد معدات الري الحديثة، وأنظمة نقل المياه بالأنابيب، والزراعة المحمية (البيوت الزجاجية)، وإعادة تغذية طبقات المياه الجوفية، وزراعة محاصيل الأشجار المعمرة (اللوز والخوخ)، واستخدام البنية التحتية لحصاد المياه التي تم إعادة تأهيلها.
تم تكرار التنفيذ الناجح لتدخلات الحفاظ على المياه في حوض صنعاء في وادي حجر حيث تم إعادة تأهيل البنية التحتية للري التي تضررت جراء السيول الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، تعمل منظمة الأغذية والزراعة على تعزيز إدارة مستجمعات المياه المجتمعية وتشجيع الزراعة البيئية والاستصلاحية، على سبيل المثال زراعة القمح، في جميع أنحاء مستجمعات المياه. هذا يعزز الأمن الغذائي وفرص كسب الدخل للمجتمعات الزراعية في الوادي، بما في ذلك النساء والشباب في المنطقة.
بالمثل، واستناداً إلى نجاح التدخلات السابقة، نفذت منظمة الأغذية والزراعة مشروع المياه من أجل السلام في وادي حضرموت، مما ساعد على التخفيف من النزاعات القائمة على المياه مع إشراك المرأة كعامل لحل النزاعات. من خلال برنامج النقد مقابل العمل، قامت المجتمعات المشاركة بحماية ضفتي الوادي وإعادة تأهيل قنوات الري. تم إشراك المجتمعات الزراعية (رجالاً ونساءً وشباباً) في إطار المشروع لحل النزاعات المحلية حول تخصيص المياه عند المنبع والمصب. بالإضافة إلى ذلك، استحدث المشروع محاصيل تتحمل الجفاف كأحد تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ.
ثمة تدخل آخر يتمثل في تعزيز إدارة المياه والأمن الغذائي والمصالحة في المجتمعات المحلية المتضررة من النزاع في أبين وذمار وحضرموت. يتم ذلك من خلال تحسين الإنتاج الزراعي وإدارة المياه، والحد من النزاعات المتعلقة بالمياه ومخاطر الكوارث. تجري إعادة تأهيل البنية التحتية للمياه لتحسين الوصول إلى مياه الري وزيادة كفاءة مياه الري من خلال النظم الحديثة. هذا يكفل الحد من فقدان المياه واستخدام القليل المتوفر منه بشكل جيد.
في جميع التدخلات المذكورة أعلاه، تشجع منظمة الأغذية والزراعة إدارة المياه على المستوى المحلي. انطلاقاً من الروح الحقيقية المتمثلة في عدم ترك أي أحد خلف الركب، تعمل منظمة الأغذية والزراعة على ضمان مشاركة المرأة في الإدارة على المستوى المحلي. لمعالجة النزاعات حول موارد المياه واستخدام الموارد المتاحة بكفاءة، عملت منظمة الأغذية والزراعة على تعزيز التنمية المؤسسية عن طريق تثقيف وتدريب المزارعين من خلال إنشاء جمعيات مستخدمي المياه. تستخدم جمعيات مستخدمي المياه نهجاً تشاركياً وكان لها دور حاسم في حل النزاعات حول موارد المياه. كانت مشاركة المرأة في جمعيات مستخدمي المياه هذه فعالة في حل النزاعات.
تعمل منظمة الأغذية والزراعة على تشجيع زراعة المحاصيل النقدية الأقل استهلاكاً للمياه. هذا يُضعف الإقبال على زراعة القات الذي يستهلك الكثير من المياه. في اليمن، تساعد منظمة الأغذية والزراعة على تحديث خطط مشاريع الري لجعل الزراعة المعتمدة على مياه الأمطار أكثر مرونة وإنتاجية، فضلاً عن العمل الفني لدعم سياسات المياه السليمة والاستثمارات في البنية التحتية والبحوث.
مع ذلك، ما زال هناك الكثير الذي ينبغي عمله.
بينما نشكو من الاستثمار المحدود في تقنيات الإدارة المستدامة والفعالة للمياه، هناك قضايا سياساتية وتنظيمية بحاجة إلى معالجة عاجلة قبل فوات الأوان. على سبيل المثال، لدى اليمن، إلى جانب بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توجهات سياساتية ضعيفة بالإضافة إلى الترابط بين العلم والسياسات فيما يتعلق باستخدام المياه. تواجه الأطر القانونية أيضاً تحديات بسبب الافتقار إلى القدرة على الإنفاذ.
من المهم بنفس القدر أن تدرس السلطات التنظيمية بعناية فعالية بعض التقنيات التي تم اعتمادها للتخفيف من مشكلة المياه. على سبيل المثال، ثبت أن انتشار الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات المياه مفيد للغاية، لكنه قد يؤدي إلى آثار كارثية لا رجعة فيها على المدى الطويل.
الخاتمة
بينما نحتفل بيوم الأغذية العالمي، فإنه ينبغي علينا أن نفكر في اليمنيين. يبدو الأمر قاتماً بالنسبة لهم لأن الوضع المائي لا يزال غير مقبول ويزداد تدهوراً. مع ذلك، فإن الحلول موجودة، وقد أثبتت فعاليتها. المطلوب هو التكاتف والتأكد من أن ما أسفر عن نتائج إيجابية حتى الآن يتم توسيع نطاقه وإنقاذ الوضع.
المزيد من الاستثمار في أنظمة إدارة المياه الفعالة سيكون خطوة كبيرة نحو ضمان إنتاج أفضل وبيئة أفضل وتغذية أفضل وحياة أفضل لليمنيين. بالإضافة إلى الاستثمار، فإنه من المهم تعزيز دور فئات المجتمع، بما في ذلك النساء، لتحسين إدارة الموارد المائية. من الضروري أيضاً تحسين الأطر السياساتية والتنظيمية لضمان إيجاد حلول دائمة لمشاكل المياه المزمنة. منظمة الأغذية والزراعة موجودة للمساعدة لأنها تتمتع بخبرات في هذه المجالات.
معاً، يمكننا اتخاذ إجراءات تتعلق بالمياه من أجل الغذاء وأن نكون التغيير. تمنياتنا بيوم سعيد في يوم الأغذية العالمي 2023.
[1] يهدف الإطار الاستراتيجي لمنظمة الأغذية والزراعة 2022 – 2031 إلى دعم جدول أعمال 2030 من خلال التحول إلى نظم غذائية زراعية أكثر كفاءة وشمولية ومرونة واستدامة من أجل إنتاج أفضل وتغذية أفضل وبيئة أفضل وحياة أفضل، دون ترك أي أحد خلف الركب (الأربعة الأفضل).
[2] منشط خفيف يمضغه بانتظام حوالي 70 بالمائة من الرجال اليمنيين.
[3] يشير "هطول الأمطار الفعال" إلى مياه الأمطار التي يمكن استخدامها في الإنتاج.
[4] نهج متكامل لإدارة المياه يربط بين تنمية الأراضي والمياه ضمن مستجمعات المياه ويربط بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية بحماية النظم الإيكولوجية الطبيعية. هو عبارة عن مفهوم يهدف إلى تنسيق وموازنة الطلبات المتنافسة على المياه (أي المنزلية والبلدية والزراعية والصناعية والبيئية) بطريقة تحقق أفضل الفوائد وتعزز العدالة.
[5] مقياس لمدى كفاءة استخدام المياه لإنتاج المحاصيل، ويُعرّف بأنه يمثل نسبة إنتاجية المحاصيل إلى كمية المياه المستخدمة.