البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في اليمن : التعاقدات المجتمعية في اليمن: السبيل لتحسين حياة الجميع
نهجٌ فعال لتعاقدات مشاريع محلية للحد من الصراعات وتبعات التغير المناخي.
أثر الصراع المستمر في اليمن بشكل كبير على البلد وشعبه. فقد تسببت التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحد من قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية، حيث يعاني اليمنيون من استمرار شحة فرص العمل في حين لا يتقاضى الكثير من الموظفين رواتبهم بشكل منتظم.
تتفاقم هذه المشكلات نتيجة للتغيرات المناخية وارتفاع معدلات التضخم وتبعات جائحة فيروس كورونا ومشاكل سلاسل التوريد العالمية لتزيد من معاناة اليمنيين، حيث يعيشون حياة أكثر عرضة للخطر في أحد أكثر الدول التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم. ففي اليمن، يتم استيراد حوالي 90% من الغذاء، ويعاني حوالي 17.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
يؤثر الصراع - والتحديات العديدة الأخرى التي يواجهها اليمنيون - سلبا على النسيج الاجتماعي للمجتمعات المحلية. وتتطلب معالجة هذه المشكلات إيجاد حلول لبناء الثقة وتوحيد المجتمعات والعمل من أجل مستقبل أكثر سلامًا.
يعزز التعاقد المجتمعي القدرة على الصمود
في إطار سعيه لتحسين حياة اليمنيين وسبل عيشهم على المدى الطويل، يقوم مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن الممول والمدعوم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، والذي ينفذ من قبل الشريك الوطني مشروع الأشغال العامة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتطبيق آليات التعاقد المجتمعي في مشاريع البناء، بدءًا من مشاريع حصاد مياه الأمطار إلى استصلاح الأراضي الزراعية وتعبيد الطرق. إن هذا النهج يساعد المجتمعات المحلية على دعم أنفسها بشكل أفضل خلال الأزمات الطارئة وعلى المدى الطويل، مما سيحسن من إنتاج الغذاء وتحسين الوصول إلى الخدمات الحيوية. وقد أفادت هذه المشاريع بالفعل عشرات الآلاف من اليمنيين في المجتمعات المحرومة.
نظراً للآلية التي تعمل بها التعاقدات المجتمعية - عن طريق توظيف افراد المجتمع المحلي المستهدف ودفع أجورهم للعمل في تحسين البنية التحتية الخاصة بهم بالإضافة إلى الحرص على استخدام الموارد المحلية قدر الإمكان - فإن هذه المشاريع تساعد أيضًا على تعزيز التماسك المجتمعي حيث يعمل الجيران معاً من أجل مصلحة القرية بأكملها، مما ينتج عنه شعور بالملكية المشتركة والانتماء للمجتمع.
مكافحة آثار تغير المناخ
يزيد تغير المناخ من الصعوبات التي يواجهها اليمنيون، لا سيما في المناطق الريفية والزراعية. تشهد البلاد فترات طويلة من جفاف الشديد، بالإضافة إلى الفيضانات التي تدمر البنية التحتية الزراعية وتجرف التربة الخصبة. يؤدي كل ذلك إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي حيث تزداد حدّة الظروف المناخية بشكل أكبر ويصبح من الصعب التنبؤ بها على نحو متزايد.
وبالنسبة للمجتمعات الفقيرة، فإن آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي كارثية. ترتبط العديد من المشاريع التي يمكن تنفيذها عن طريق آلية التعاقدات المجتمعية ارتباطًا وثيقًا بالزراعة ومكافحة آثار تغير المناخ. بالنسبة لمشروع الأشغال العامة فإن المشاريع المناسبة تتمثل في إنشاء أصول مجتمعية صغيرة في المناطق الريفية بالاعتماد على استخدام تقنيات بسيطة والكثافة العمالية العالية والمواد المتوفرة محليًا. فإلى جانب مشاريع إعادة تأهيل الطرق، تعد مشاريع حماية الأراضي الزراعية من خلال بناء جدران الحماية وقنوات الري التي تساعد في التخفيف من آثار التصحر أحد تلك المشاريع الرئيسية.
تمكين أفراد المجتمع المحلي
نتيجة للحرص على تنفيذ المشاريع في الإطار المحلي، يستفيد افراد المجتمعات المستهدفة من حصولهم على خدمات محسنة إلى جانب فرص عمل جديدة توفر لهم النقد العاجل واكتساب المهارات التي ستتيح لهم فرص عمل على المدى الطويل. يعتبر مشروع إعادة تأهيل البنية التحتية للري في شبوة مثالاً على ذلك.
يقول محمد صالح، أحد سكان مديرية ميفعة بمحافظة شبوة: "لقد اتاح لي مشروع إعادة تأهيل قناة ري بايحيى فرصة للحصول على عمل. لقد ساعدني ذلك في تحسين ظروفي المعيشية وسُبل عيشي من خلال العمل في المشروع والخبرة العملية التي اكتسبتها". ويضيف: "كنت في السابق عاطلاً عن العمل، ولكن تم اختياري من قبل اللجنة المجتمعية للعمل في هذا المشروع من خلال آلية النقد مقابل العمل مما أدى إلى تحسن وضعي ووضع العديد من العمال من أبناء منطقتي."
تلقى محمد، مثل العديد من العمال الآخرين الذين شاركوا في هذا المشروع، تدريبًا على كيفية إعداد الخرسانة ورصّ الصخور بشكل صحيح أثناء البناء وتجصيص الجدران قبل بدء العمل في الموقع. ويشرح ذلك بالقول: "لقد أتيحت لنا الفرصة لتعلم مهارات جديدة من مهندسين ذوي خبرة."
ارتفعت نسبة أفراد المجتمع المحلي العاملين في مثل هذه المشاريع التنموية بنسبة 60% بعد اعتماد منهجية التعاقد المجتمعي.
محمد صالح، 22 عاماً، يعمل في بناء قنوات الري وحواجز المياه من خلال نظام النقد مقابل العمل. مصدر الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2022
تقول ابتهال فؤاد، مهندسة ومخططة الاستثمار في مشروع الأشغال العامة: "إن التعاقدات المجتمعية هي استثمار حقيقي وناجح في تنمية رأس المال البشري ويتحقق ذلك عندما يكتسب افراد المجتمعات المستهدفة المهارات اللازمة التي ستساعدهم لتوليد دخل مستدام".
محمد علي، 32 عاماً، يعمل على اعادة تأهيل قناة الري في منطق بايحي. مصدر الصورة: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن / 2022
نهج شامل يفسح المجال لمشاركة النساء
يشارك المجتمع بأكمله – بما في ذلك النساء- في تنفيذ هذه المشاريع. كما يتم منح النساء الفرصة لتعلم مهن جديدة والحصول على المهارات التي يحتاجها سوق العمل المحلي. ففي الواقع، أدت التعاقدات المجتمعية إلى زيادة فرص توظيف النساء بنسبة 30% مقارنة بمنهجية التعاقد الخاص.
كانت بركة خميس، من سكان منطقة بايحيى بمحافظة شبوة، أحد المساهمين الرئيسيين في إعادة تأهيل قنوات الري بمياه الأمطار في منطقتها. تلقت بركة تدريبًا على التعاقد المجتمعي من قبل مشروع الأشغال العامة وطبقته لتصبح هي أحد المقاولين المنفذين للمشروع.
تقول بركة: "لقد زودني التدريب بمجموعة المهارات اللازمة لأكون مقاولة مجتمعية مسؤولة عن أعمال إزالة الشجيرات والنفايات من قنوات الري". وتضيف: "لقد قمت بتوظيف 30 امرأة أخرى من المنطقة وعملنا معًا لإنجاز تلك المهمة".
وتقول شفيقة الرجمي أخصائية النوع الاجتماعي في مشروع الأشغال العامة: "إن التعاقد المجتمعي يوفر فرصة أكبر لتوظيف نساء وتمكينهنّ اقتصاديا وتعزيز دورهنّ في المجتمع. كما توفر هذه الآلية ظروفاً عادلة للنساء تسمح لهنّ بالتنافس مع الرجال في تقديم العطاءات والفوز بمناقصات المشاريع."
وأعربت بركة عن امتنانها لحصولها على هذه الفرصة بالقول: "بصفتي صانعة قرار، أصبحت أحظى باحترام كبير من قبل عائلتي ومجتمعي الذين يقدرون الإنجاز الذي حققته. وأكدت بركة على تأثير هذا المشروع على حياة جميع النساء المشاركات؛ فقد تمكنّ من تحسين سبل عيشهنّ وتسليط الضوء على الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه النساء في مجتمعهنّ.
مشاركة مجتمعية من التخطيط وحتى التنفيذ
تتضمن آلية التعاقدات المجتمعية تقسيم العمل إلى عدة مراحل، كما يوضح محمد الشوافي، منسق برنامج التعاقدات المجتمعية في مشروع الأشغال العامة، بدءاً باختيار اسم المشروع ومن ثم تكليف مهندس وباحث اجتماعي لمسح الموقع وتحديد نطاق الأولويات والاحتياجات.
ويضيف: "بعد ذلك يتم انتخاب لجنة مستفيدين تشمل رجالاً ونساءً من المجتمع المحلي ويتم تدريب أعضائها على الآليات والمتطلبات اللازمة لتنفيذ المشروع. وتتولى هذه اللجنة مسؤولية تنفيذ جميع مراحل المشروع".
بالإضافة إلى تحقيق النتائج التي تلبي احتياجات المجتمعات المستهدفة بشكل مباشر، يعزز هذا النهج أيضاً على خلق تواصل أكثر فعالية داخل المجتمعات حيث يتطلب تنفيذ المشاريع التوصل إلى قرارات مشتركة وتقديم التنازلات. ومن خلال هذه العملية، يتم تعزيز الحوار المجتمعي وخلق الثقة بين افراده.
طريق معبد يصبح من الأصول المجتمعية الهامة
تقدم هذه المشاريع المجتمعية بعضاً من أفضل الحلول لتدهور البنية التحتية الحيوية، وتعتبر حالة الطرق السيئة في معظم أنحاء البلاد أحد الأمثلة على ذلك. استهدف أحد تلك المشاريع الطريق الوعرة والخطيرة في السارة، وهي احدى عزل مديرية العدين في محافظة إب.
يقول قاسم الحميدي، أحد سكان منطقة السارة: "كان هذا الطريق الوعر يشكل خطراً كبيراً خلال مواسم الأمطار- كان هناك خطر موت حقيقي عند عبوره." لم يقتصر أثر الظواهر المناخية الشديدة على إتلاف الطريق وجعله خطيرًا على المسافرين فحسب، بل أدى كذلك إلى إحداث شلل في الإنتاج الزراعي.
يوضح ماجد العهامي، مستشار مشروع الأشغال العامة، أن "الأمطار الغزيرة والسيول كانت تتسبب في تآكل التربة، مما أدى إلى جرف المدرجات الزراعية".
وفي منطقة السارة، جلب الطريق الممهد حياة جديدة وأعمالاً جديدة إلى المنطقة. ويوضح صادق سيف، رئيس لجنة المستفيدين: "يخدم هذا الطريق أكثر من 100 ألف نسمة، ويتيح لهم الوصول إلى العديد من الخدمات في المدينة. إن فائدة هذه الطريق لا تقتصر على ربط العزل والقرى فحسب، بل أنها تربط أيضًا بين المديريات والمحافظات - وجميعها مناطق ذات كثافة سكانية عالية."
"كما يلعب المشروع دورًا مهمًا في الانتعاش الاقتصادي حيث ازداد الاستثمار في المنطقة." ويوضح سيف أنه تم افتتاح مرافق صحية ومطاعم ومحلات سوبر ماركت جديدة بعد نجاح مشروع الطريق. ويضيف أن المجتمع المحلي قام بتقديم الـ 20 ألف صخرة التي تم استخدامها لرصف الطريق – حيث تم الحصول عليها جميعًا من مصادر محلية - فلم تكن هناك حاجة لجلب الصخور من أماكن بعيدة، مما أدى إلى خفض التكاليف وانبعاثات الغازات الناتجة عن عمليات النقل.
هدف بعيد المدى يتجاوز التحديات اليومية
يساعد مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن ومشروع الاشغال العامة الأشخاص المتضررين من الأزمات في اليمن على استعادة سبل العيش المستدامة. وقد مكنت هذه المشاريع اليمنيين من إعطاء الأولوية لجهود الانتعاش الواسعة النطاق والتخطيط للتنمية - مع التركيز بشكل أكبر على جعلها طويلة المدى لتتجاوز التحديات اليومية التي تواجه اليمن.
وبحسب الشوافي: " تساهم التعاقدات المجتمعية في تعزيز البنية التحتية الأساسية لليمن في مختلف القطاعات والمجتمعات وعلى المدى الطويل".
***
يدعم مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن التحويلات النقدية المراعية للتغذية وبرامج العمالة المؤقتة، بينما يحسن الوصول إلى سبل العيش المستدامة والخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية للمناطق المتأثرة بالجوع وسوء التغذية والصدمات المرتبطة بالمناخ. يتماشى هذا المشروع مع نهج البنك الدولي لتحسين الأمن الغذائي وسبل العيش المستدامة لليمنيين.
بتمويل ودعم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، يتم تنفيذ مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا اليمن بقيمة 232.9 مليون دولار أمريكي من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة، ووكالة تنمية المُنشــآت الصغيرة والأصغر بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن.