المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: إعادة الأمل لمجتمع غشته ظُلمَة الحرب: عاملون صحيون في مأرب يقدمون خدماتهم بشغف
مأرب
نشأت بشرى وهي تحلم بأن تصبح عاملةً في مجال الرعاية الصحية، أن تكون شخصاً يخفف من آلام الناس. وُلِدت وترعرعت في إب، وحققت حلمها فصارت قابلةً تساعد النساء في مجتمعها على إنجاب أطفالهن بأمان.
مع تصاعد الحرب بالقرب من بلدتها، اضطرت بشرى إلى الفرار إلى مأرب تاركةً وراءها كل ما يَعِزُّ عليها، بما في ذلك عملها.
قبل اندلاع الحرب، كان لدى العديد من العاملين في المهن الطبية أعمال مزدهرة في مدنهم، إلا أن تصاعد الصراع وتضعضع الظروف المعيشية أجبر الكثيرين على ترك منازلهم والبحث عن ملاذٍ في مكان آخر.
بعد نزوحها، بحثت بشرى عن فرصة جديدة للعودة إلى العمل في المجال الصحي، ولكن هذه المرة في مركز منين الحدد الصحي في مأرب، وهو منشأة تقدم الرعاية الصحية لمئات النازحين.
وأوضحت بشرى: "عندما بدأت العمل في منين الحدد، كان الوضع متدهوراً. لم يكن المركز الصحي يعمل بكامل طاقته، ولم يحظَ بالاهتمام اللازم، على الرغم من وجود طلب كبير على الخدمات الطبية في المنطقة."
"لم تكن المجتمعات النازحة تحصل على معلومات حول الممارسات الصحية الآمنة، لا سيما فيما يتعلق برعاية ما قبل الولادة."
صُدِمت بشرى بواقع أن النساء النازحات – اللائي يأتين غالباً من المناطق الريفية – لا يعرفن إلا القليل جداً عن أهمية التغذية أثناء الحمل، وفحوصات الوالدين، والمضاعفات التي قد تصاحب الزواج المبكر والولادة.
وأضافت: " إن حوالي 90 في المائة من النساء الحوامل اللاتي يأتين إلينا يعانين من فقر الدم الحاد."
تألمت بشرى من فكرة عدم حصول الأمهات الحوامل وأطفالهن الذين لم يولدوا بعد على الرعاية الأساسية.
وتحدثت رغدة، زميلة بشرى، عن رؤيتها حول مساعدة الأشخاص الضعفاء على البقاء في صحة مثالية.
درست وتخرجت رغدة في مدينتها تعز، وبدأت العمل في مجال الرعاية الصحية هناك لمساعدة مجتمعها وإعالة أسرتها.
عندما احتدم الصراع هناك، اضطرت أيضاً إلى مغادرة مدينتها ووجدت نفسها في مأرب، لتعمل في نهاية المطاف جنباً إلى جنب مع بشرى في المركز الصحي.
وأوضحت رغدة، المساعدة الطبية المسؤولة عن التطعيمات في المركز الصحي في منين الحدد: "لقد عانيت كثيراً مع الأمهات اللواتي يرفضن تطعيم أطفالهن، بدعوى أنها تسبب أمراضاً للأطفال حديثي الولادة، وأن الأجيال السابقة لم يتم تطعيمهم وكانوا بخير."
سرعان ما أدركت بشرى ورغدة أن عملهما يتجاوز مجرد تقديم الخدمات العلاجية فقط. وفي عزيمة لا تنثني أمام التحديات، شمرت بشرى ورغدة عن سواعدهما وشرعتا في رحلة استعادة الأمل.
وبدعم من الطاقم الطبي الجديد، بدأتا المهمة الشاقة المتمثلة في إحياء المركز الصحي وتقديم الرعاية الطبية التي يحتاج إليها السكان النازحون أمسَّ الحاجة.
ظلت بشرى تشرح دون كلل أهمية التغذية السليمة والممارسات الصحية أثناء الحمل وبعده، فيما كانت رغدة تبين للآباء والأمهات أهمية التطعيمات.
وبعد أن عقدوا العزم على سد هذه الفجوة المعرفية، أطلقت بشرى ورغدة وأفراد الطاقم الطبي الآخرين سلسلةً من البرامج التثقيفية للنساء الحوامل وأُسرهن.
فكان الفريق يجيب عن الأسئلة، ويبدد المفاهيم الخاطئة، ويقدم الإرشادات لمن يحتاجها. وقد أحدث هذا فرقاً كبيراً في تحسين قبول التطعيمات بين الأسر.
وأوضحت رغدة: "يأتي الآباء والأمهات لتطعيم أطفالهم الآن، وهذا لم يكن يحدث من قبل!"
قامت المنظمة الدولية للهجرة لاحقًا بتوسيع مركز منين الحدد الصحي – بدعم من مكتب المساعدات الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وتم تزويد العيادة بمعدات جديدة وأدوية، وتلقى العاملون الصحيون حوافز مالية وتدريباً لبناء قدراتهم.
وأوضح الدكتور عبد الله سالم، المدير العام للمركز الصحي في منين الحدد: "قامت المنظمة الدولية للهجرة بتوسيع المركز من خلال بناء مرافق إضافية، ومختبر طبي، وصيدلية، وعيادة لرعاية الأطفال. ويستطيع المركز الصحي الآن مساعدة المزيد من الأشخاص في موقع النزوح المجاور."
صنعت بشرى ورغدة وبقية الفريق العامل في المركز الصحي بيئةً لا تكون فيها الرعاية الصحية مجرد خدمة بل حق، بغض النظر عن ظروف الفرد.
واختتمت رغدة : "الآن تغير الوضع للأفضل. نقوم بتلقيح 20 طفلاً في المتوسط يومياً، مقارنةً بالماضي عندما لم يكن يُؤتى بأي طفل تقريباً لتلقي التطعيمات."
إن قصة مقدمي الرعاية الصحية هؤلاء دليل على صمود وعزيمة الأفراد الذين يرفضون أن يقف الصراع عائقاً أمام مهامهم في مجتمعاتهم، مهما كلف الأمر.