بعد ثمان سنوات من الصراع وبالرغم من الهدنة الهشة، لازالت الولادة في اليمن مسألة حياة أو موت
ذمار، اليمن- "إذا حصلنا على بعض الطعام فإننا نعطي الأولوية لأطفالنا ليأكلوا." تقول زهرة (30 سنة) وهي أم لأربعة أطفال من منطقة وصاب السافل بمحافظة ذمار اليمنية.
قبل ثمان سنوات حينما تصاعد النزاع بشكل كبير وكانت المرافق الصحية اما بالكاد تعمل أو متوقفة بسبب العنف، عانت زهراء من ولادة مبكرة بطفلها الثالث. وكانت تعاني من سوء تغذية حاد-وهو وضع خطير يؤثر على نحو 1.5 مليون امرأة حاملة ومرضعة في اليمن- وبدون وجود أي طاقم طبي لتقديم الدعم لمخاضها المبكر، واجهت زهراء تهديد حياتي.
ومع استمرار النزاع الطاحن والطويل وانهيار الاقتصاد وارتفاع أسعار الغذاء، تُعد اليمن واحدة من أشد الأزمات الإنسانية عمقاً وتجذراً. ففي العام 2023، يحتاج 21.6 مليون من السكان مساعدات إنسانية، ولا يستطيع 80% من السكان أن يجد طعاماً على الطاولة بالإضافة الى الانعدام الواسع لأبسط اساسيات الرعاية الصحية.
لقد نجت زهراء وطفلها من الموت لكن الطفل يعاني من مرض قلبي مميت. وحينما حملت زهراء بطفلها الرابع، كانت تعاني مرة أخرى من سوء تغذية وخيم ونقص في الوزن، كما زاد ضعف جسمها ومستوى تعرضها للأمراض. وحينما سقطت زهراء نتيجة ألم في بطنها ونزيف في صباح أحد الأيام، أسرع بها زوجها أنور الى عيادة قريبة تعاني ضعف التجهيز.
لقد تم نُصحها بإجراء كشف تلفزيوني بالموجات فوق الصوتية للـتأكد من أي مضاعفات أخرى لكن لم تكن عائلتها قادرة على دفع تكاليف الأشعة. أخبرتها الممرضة بوجود مستشفى العهد حيث تُقدم خدمات الصحة الإنجابية مجاناً. يقول الزوج أنور: "لقد تنفستُ الصعداء، لكني ايضاً لم أكن أملك أية نقود لتحمل تكاليف المواصلات الى ذلك المستشفى."
لقد قرر أنور ومعه زهراء المثقلة بحملها المشي على الاقدام مسافة سبع ساعات للوصول الى هذا المرفق الصحي.
أزمة في الرعاية الصحية للأم
يتلقى مستشفى العهد الدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، ويقدم خدمات الرعاية الصحية الإنجابية مجاناً مثل الأشعة بالموجات فوق الصوتية، والكشف العلاجي والفحوصات الطبية. عالج الفريق الطبي سوء التغذية لدى زهراء وأجرى لها أشعة تلفزيونية وساعد في ان تولد طفلها بالسلامة.
تعاني 5. 5 مليون من النساء والفتيات في سن الإنجاب باليمن من وصول محدود أو عدم وصول الى خدمات الصحة الإنجابية، وتموت امرأة كل ساعتين اثناء الحمل والولادة. يُعد معدل الوفيات هذا في اليمن هو الأعلى في المنطقة وما يجعل هذا الرقم مروع أكثر هو حدوث هذه الوفيات بأسباب يمكن كلياً الوقاية منها من خلال الوصول الى الخدمات الصحية.
وتُعرض الأزمة النساء والفتيات لخسائر كبيرة لا تطاق: فأقل من نصف الولادات فقط تتم على يد طواقم طبية محترفة، واواحد فقط من كل خمسة مرافق صحية لازالت تعمل تقدم خدمات الأم الصحية ورعاية الأطفال حديثي الولادة.
الصراع من أجل البقاء
عانت حياة أحمد صالح -البالغة 32 عاماً –ايضاً من سوء التغذية خلال حملها الأول والثاني، كما عانت من فقر دم حاد نتيجة سوء التغذية وهو أحد الأسباب الرئيسية لوفيات الأمهات.
لم تستطع حياة وهي من منطقة السُقياء بمحافظة لحج دفع تكاليف استئجار سيارة لتقلها الى أقرب مرفق صحي يبعد عنها 40 كيلومتر، ولم تستطع كذلك تحمل نفقات الرعاية الصحية. وعانت في حملها الأول والثاني من ولادات مبكرة في المنزل وتم توليدها على يد قابلة غير مؤهلة ولم ينجو أي من طفليها في المرتين.
تقول حياة لصندوق الأمم المتحدة للسكان: " كنت عازمة على أن يكون لديا طفل، لم أكن اريد أن أفقد الأمل. سمعت حياة عن مستشفى رأس العارة المدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومركز الملك سلمان للإغاثة.
"عندما سمعتُ عن المستشفى وان هناك طواقم طبية مؤهلة وقابلات صحيات مُدربات، قررت المشي الى المستشفى وشرح حالتي."
نصح الطبيب "حياة" بزيارة المستشفى لعمل فحوصات وكشف بشكل دوري خلال فترة الحمل، ولمتابعة حالتها اسبوعياً بعد ان أصبحت في شهرها السادس من الحمل. ولدت حياة بطفلها وهو بصحة جيدة وقالت لصندوق الأمم المتحدة للسكان: " عندما كنتُ جاهزة للولادة، كنتُ متوترة لكني كنت واثقة لأنني في ايادي اخصائيين في المرفق الصحي وهو أمر لم أفكر اطلاقاً انه كان ممكناً."
مناشدة من أجل مستقبل النساء والفتيات
تعيق الازمات الإنسانية والصراعات عالمياً جهود الدول لتقليص وفيات الأمهات والتي تضاعفها تحديات التغير المناخي وغياب القابلات المجتمعيات المؤهلات. لقد انتهى العام 2022 ببارقة أمل ولمحة لما قد يبدو عليه مستقبل النساء والفتيات في اليمن إلا ان اية مكاسب تم تحقيقها تبقى هشة. لازال صندوق الأمم المتحدة للسكان هو المنظمة الوحيدة التي توفر أدوية الصحة الإنجابية المنقذة للحياة في المستشفيات، ومخيمات النزوح ومن خلال الفرق العيادات المتنقلة. لكن نقص التمويل المستمر يعرض هذه الرعاية الصحية للخطر كما قد يضطر أكثر من 90 مرفق صحي للإغلاق إذا لم يتم تأمين التمويل اللازم. وبالرغم من هذا الوضع غير المستقر، استطاع صندوق الأمم المتحدة للسكان من الوصول الى 2.7 مليون من النساء والفتيات في اليمن خلال العام 2022، وأعطى أولوية لحقوقهن ووصولهن إلى الخدمات الهامة لصحتهن ورفاهيتهن.
في العام 2023، يواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان مناشدته لجمع 70 مليون دولار من أجل الوصول الى 3.9 مليون من السكان في اليمن. يركز هذا الدعم على الصحة الإنجابية بما فيها الطوارئ التوليدية والرعاية بحديثي الولادة لتقليل مرض ووفيات الأمهات، وتوفير خدمات حماية للنساء والفتيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة الى تقديم حُزم المساعدات الطارئة للنازحين حديثاً بسبب استمرار غياب الأمن.