إحياء قطاع الحناء في حضرموت

إحياء قطاع الحناء في حضرموت
لعبت السُّلطات المحليَّة بِمُديريَّةِ غيل باوزير في محافظة حضرموت، بمكاتِبها التَّنفيذيَّة المُختلِفة دورًا هامًا وفاعِلًا في المساهمة النَّوعيَّة لتعافي قِطاع الحِنَّاء، أحد أكثر الموروثات التي تشتهر بها المديرية. تعتبر الحِنَّاء شجرة دائمة الخضرة يستخرج منها كثير من أسرار الجمال التقليدية اليمنية. ابتداءً من مستحضرات التجميل إلى أصباغ الشعر وما دون ذلك، وتمثل الحِنَّاء جزءً هاماً من الثقافة اليمنية.
بالنظر إلى حجم الاحتياج، نفذت السلطات المحلية ورشة عمل بحضور ممثلين عن القطاع الخاص والمزارعين والمرأة والشَّباب؛ لمناقشة واختيار أهم أَولويَّاتها الاقتصادية الملحة. وسرعان ما تم إدراك أن قطاع الحِنَّاء المنهار كان من بين أولويات الإنقاذ. فانطلق الفريق فورًا على إثرها لإجراء تقييم كامل للوضع أمعن النظر من خلاله في تحديات قطاع الحِنَّاء واقترح حلول متعددة.
تُقدَّر مساحة مديرية غيل باوزير بــ (2,410) كيلو مِترًا مُربعًا (1,498 ميلًا تقريبًا) وتتميَّز جُغرافِيًا بخصوبة أراضيها؛ ويعود ذلك جزئيًا إلى وجود العديد من الآبار وينابيع المياه فيها. والغيل لغةً هو الماء الجاري على وجهِ الأَرضِ وهذا ما جعل أرضها زراعية بالدرجة الأولى، وازدهرت فيها زراعة "الحِنَّاء الغيلي" لأجيال.
إلا أن الصراع القائم منذ ثمان سنوات مضت كان أحد أسباب التدفق الكبير لحركة النزوح الداخلية، فتم استخدام موارد مديرية غيل باوزير المائية لتغذية موارد مدينة المكلا الشحيحة. مما أثرَ ذلك سلبًا على خصوبة الأرض وأشجار الحِنَّاء الغيلي التي كانت تُزرع فيها بوفرة كبيرة فيما مضى.

التخطيط التشاركي والشامل
أدركت السلطات المحلية ومشروع تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن – سِيري، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجوب القيام بعملٍ ما.
فبتمويلٍ سخي من الاتحاد الأوروبي، عمل مشروع سِيري مع السلطات المحلية لإشراك المجتمع المحلي، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة لعكس احتياجاتهم بشكل مناسب في التخطيط المجتمعي وصناعة القرار. وللمساعدة في تحقيق النتائج والحفاظ عليها، ساعدَ مشروع سِيري أيضًا في تطوير قدرات السلطات المحلية للحفاظ على أدائها الجيد وتعزيزه وتوسيعه.
وهذا بالضبط ما حدث في مديرية غيل باوزير، حيث انصب محور التركيز على إنقاذ أشجار الحِنَّاء من خلال إعادة تأهيل العديد من قنوات الري الزراعية القديمة، المعروفة محلياً بـ "المعايين"، والتَّي تُمثِّل الشريان الرئيس والأَوحد القائمة عليه الزِّراعةِ على مُستوى المُديريَّةِ.
فيما مضى كانت القنوات ترابية وتمتص 60% من المياه تحت التربة قبل وصولها إلى أشجار الحِنَّاء، كما تستغرق أكثر من ساعتين ونصف للوصول إلى حقول مزارعي الحناء. وبسبب الممارسات الزراعية التقليدية، احتاجت حقول الحِنَّاء إلى ما يقرب من تسع ساعات لسقي الحقل كاملًا. وكانت مضخات المياه تعمل لساعات إضافية للتعويض عن نسبة الفاقد في المياه على طول قنوات الرَّي. حيث يتكرَّر هذا النمط كل 20 يومًا مع كل دورة سقي جديدة.
بالإضافة إلى الوقت الهائل وكمية الفقد في الموارد المائية، كانت كمية الوقود اللازمة لتشغيل المضخات لفترة طويلة غير مستدامة. ولم تتمكن اللِّجان المجتمعية المسؤولة عن صيانة القنوات من ترميمها، وبدلًا من ذلك، اضطرت إلى إنفاق الإيرادات الضئيلة لتوفير الوقود.
يتحدَّث أ/ سالم العطيشي باوزير -مُدير عام مُديريَّة غيل باوزِير-: "تمثل الزِّراعة لنا في مديريّة غيل باوزير قطاعًا هامًا منذ فترات زمنيّة قديمة، والاهتمام على وجه الخصوص بالحنّاء شجعنا لنكون على تقاربٍ كبيرٍ في هذا المشروع الهام لمجموعةٍ من الأَسباب". ويوضِّح هذه الأَسباب مواصِلًا: "كونه محصول يُشجِّع المُزارِعين على التَّوسع، ويوفِّر الكثير من فُرص العمل لمُختلف القِطاعات".
دعم مختلف اللاعبين في سلسلة القيمة
ومن أجل ترجمة الأقوال إلى أفعال، عمل مشروع سِيري مع شريكه المحلي وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر لتقديم الدعم وضمان الحصول على تأثير إيجابي على المدى الطويل. عملنا معًا على إعادة تأَهيل أربعَ عشرةَ قناة ري زِراعيَّة في ثلاثة معايين مياه هي: الحرث، لِشول، والنَّقعة، باستخدام الأحجار والإسمنت وتبطينها من الدّاخِل بإِجمالِي طُول يَصِلُ إلى 2,866 مِترًا (تقريباً 1.8 ميلاً). علاوة على ذلك، عملنا على توفير:
مواد زراعية عالية الجودة مثل مجففات وأسمدة ومُخصِبات لعدد (100) مزارع.
وحصلت (9) معامل ومطاحن تعملُ في الحِنَّاء على عددٍ من المنح على شكلِ أُصول تضمّنت آلات طحن وتغليف ، بالإضافةِ إلى تدريب في مجال إِدارة استمرارية الأعمال.
كما حصلت (13) امرأة على تدريب مهني وإداري ومالي في العمل على تطوير منتجات إبداعية وتحويليَّة، تعتمد في مكوناتها الأَساسيَّة على مادة الحناء، لتحصلن فيما بعد على منحٍ صغيرةٍ جدًا؛ تُمكِنهنَّ من البدء في مشاريعهن المنزلية.

الأثر المباشر
أحدث هذا التَّدخل المُتعدِّد القِطاعات -على المدى القصير- أثرًا مباشرًا، وملحوظ النَّتائِج. فقد ساهمت معايين المياه الجديدة في توفير نسبة الفاقد من الماء الذي بلغ 60%. وأصبحت مضخات المياه قادرة على توصيلها إلى الحقول الزراعية خلال 25 دقيقة بدلاً عن ساعتين ونصف. بينما تقلصت دورة السُّقي إلى 13يوماً فقط بدلاً عن 20يوماً، وسَاعدت في تقليل الفترة الزمنية الواحِدة لدورة السُّقي الكاملة جذرياً في كل حقل من تسع ساعات إلى ثلاث أو أربع ساعات حالياً.
كما أدى الزمن المستغرق إلى خفض تكلفة الوقود للمزارعين بشكل كبير لأن المضخات لم تَعُد تعمل لفترات طويلة.
وهذا سَاعَدَ في اِرتفاع نسبة المزارعين المستفيدين إلى أكثر من ألفين وأربعينَ مُزارِعًا، وبالنظر إلى الفائدة العائدة من إعادة تأهيل القنوات، فإن اللجان المجتمعية تتطلع إلى استثمار الإيرادات في صيانة قنوات الري الزراعية.
أَمَّا على مُستوى شجرة الحِنَّاء نفسها، فقد اِكتسبت أَوراقها اِخضرارًا، وطراوةً ملحوظةً، وقُوَّةً وعِطريّةً في الرَّائِحة، وطُولًا وتفرُعًا في الأَغصانِ. وارتفع سعر 12 كيلو جرام من الحِنَّاء من 8,000 ريالاً (تقريباً 6.5 دولاراً ) إلى 15,000 ريالاً (تقريباً 12.20 دولاراً ). ومن شأنِ هذا التحسن الملحوظ في المحصول من مُضاعفة الدخل المالي، والربح للمُزارِع وبقية اللاعبين في سلسلة القيمة أيضاً .
وشهدت المعامل والمطاحن العاملة في الحِنَّاء هي الأُخرى تحسّناً في عملها، بشكلٍ ملحوظ، وزادت نسبة فرص العمل في بعضها إلى 30 عاملًا وعاملةً لتلبية ارتفاع الطلب في السوق. وبدأت 13 ريادية أعمال ناشئة مشاريعهن المنزلية بالعملِ في منتجات مشتقة من الحِنَّاء، تخصُ مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة.
وهذا كله سيؤدي إلى تحسن في إيرادات المنطقة التي ستُمَكِنْ السلطات المحلية من الاستثمار في مشاريع خدمية أخرى للمجتمع. وتتمثل فائدة هذا المشروع في شقين لأنه سيساعد على زيادة الإيرادات المحلية بالإضافة إلى تعزيز ثقة المجتمع في السلطات المحلية لتحسين مستويات تقديم الخدمات وبيئة الأعمال.
ويتحدث كثيرٌ من مزارعي الحِنَّاء الحاصلين على (مجففات الحناء، والأسمدة والمُخصِبات) ضمن مشروع سِيري بحماسةٍ بشأن مهاراتهم المكتشفة حديثاً والمعدات الحديثة، من بين هؤلاء العم مبارك باعنقود.
بعمر 71 عامًا، يعمل العم مبارك في زراعة الحِنَّاء منذ أكثر من 15 عامًا، وقد زُرناه بعد أن حصدَ أَوراق الحِنَّاء ووضعها تحت المجففات تمهيدًا لبيعها. حيث حصل على مجففات وأسمدة ومُخصِبات لأوراق الحِنَّاء وصرح قائلاً: "الأسمدة التي وزعت علينا صراحة جعلت أراضينا طلِقة وسهلة، وأعطت أَوراق الحِنَّاء رائِحةً قويَّة". وأشار إلى أنه بعد سنوات عديدة، كان من المذهل أن يرى كيف عادت الأشجار إلى الحياة. كما يستمتع العم مبارك بعمليَّة المجففات، معلقاً بأنها "تحافظ على الأوراق من أشعة الشمس والغبار والشوائب". والتي تُساهِم في رفع قيمة المنتج في السوق.
وعند مشاهدة التطور الملحوظ للتدخل المقدم من مشروع سِيري، لوحظ الاستعداد الكبير لدى بعض المزارعين بالتَّوقُف عن زارعة (التِّبغ) المعروف محليًا بـــ (التُّنباك) والذي تشتهِرُ بِهِ غيل باوزير أَيضًا والبدء في زراعة أشجار الحِنَّاء. ناهيك عن تَشّجُع المزارعين غير المستهدفين من المشروع على تبني وتنفيذ آليَّات العمل ذاتها لتطوير حقولِهم، ومحاصيلهم، وبالتالي زيادة دخلهم المالي ورِبحهم.

بتمويل من الاتحاد الأوروبي، تم تصميم مشروع: تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن – سِيري، والذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم مرونة أنظمة الحكم المحلي في اليمن وتعزيز قدرة المجتمعات المتأثرة من الصراع على المرونة والتعافي. ويستند المشروع إلى تقييم مفاده أنه في سياق الصراع الذي طال أمده والتحركات السكانية الضخمة في جميع أنحاء البلاد (والتي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والأطفال والشباب)، أن قدرة السكان المحليين على المرونة لا يمكن أن تعتمد حصراً على المساعدة الذاتية أو على المعونة الخارجية. ولكنه من الضروري أيضاً أن تكون السلطات المحلية قادرة على الوفاء بمهمتها على نحو أكثر فعالية من حيث: (أ) المهام الأساسية، (ب) تقديم الخدمات الأساسية، (ج) والاحتياجات الناشئة مثل حل النزاعات، والمعونة الإنسانية، وإدارة الكوارث، والنزوح الداخلي و(د) التعافي الاقتصادي.