آلات صغيرة، طموحات كبيرة
ماكينة الخياطة هي أول ما يجذب أنظار الزائرين لمعمل الخياطة الذي تملكه فاطمة وأسرار في مديرية سرار بمحافظة أبين.
ماكينة الخياطة هي أول ما يجذب أنظار الزائرين لمعمل الخياطة الذي تملكه فاطمة وأسرار في مديرية سرار بمحافظة أبين. تُظهر الخدوش العميقة على ماكينة الخياطة سنوات من العمل الجاد والمثابرة. أسرار أرملة وأم لثلاثة أطفال، وهي معيلة لأسرتها منذ سنوات. بدأت أسرار تعلم الخياطة قبل سبعة أعوام لإعالة نفسها وأطفالها بعد اندلاع الصراع في اليمن عام 2015.
تقول أسرار: "لقد بدأنا من الصفر. لم يكن لدينا سوى أمنيات مليئة بالأمل في أن نكون قادرين على إعالة أنفسنا".
كان الجلوس في معملها لساعات طويلة على وقع صوت ماكينة الخياطة هو ما شكل الفارق بين الفقر المدقع والبقاء على قيد الحياة. لقد وفرت لها الماكينة السوداء والذهبية اللون دخلًا ثابتًا لإعالة أطفالها وقت الحاجة مما جعلها سعيدة. بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ساعد مشروع الخياطة الصغير أسرار أن تصبح مستقلة على الرغم من تدهور الأوضاع . قالت أسرار:"انها هبة من الله".
استفادت فاطمة، شريكة أسرار في مشروع الخياطة، وهي أرملة منذ خمس سنوات، من المنحة. قالت: "إنها ليست مجرد آلة؛ بل شيء مكنني من كسب المال لنفسي ولإبني."
تعيش فاطمة وأسرار بعيدًا عن المدن والبلدات الكبرى في اليمن، وهما نموذج ناجح للنساء الأخريات. لقد أثبتن أن المرأة اليمنية تتمتع بإمكانات كبيرة لبدء وتنمية وتشغيل المشاريع التجارية الصغيرة التي تخدم مجتمعاتهن على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. كانت الضوضاء الصادرة عن آلاتهن ورائحة حرارة القماش بمثابة بداية جديدة رائعة.
عاشت أسرار وفاطمة وضعاً مشابهاً، فكلاهما فقدت زوجها بسبب الصراع. لم يكن لدى أيّ منهما القدرة على كسب المال أو تأمين الاحتياجات الضرورية. كلاهما وجدت نفسها أمام مسؤولية كبيرة وهي رعاية أسرهن. ولكن لم يكن من السهل عليهن القيام بذلك فعادةً ما تملي الأعراف المجتمعية السائدة في مديرية سرار أن المرأة هي ربة منزل ليس أكثر ولا يمكنها العمل خارج المنزل، لكنّ أسرار وفاطمة تشاركا الحلم ذاته بحياة كريمة لأسرهن، فقررا البدء في مشروع خياطة مشترك حيث استفدن من التدريب الفني على إدارة المشاريع ومنحة مالية كانت نقطة البداية نحو تحقيق الحلم.
لم يكن الطريق ممهداً، بل كان مليئاً بالعقبات. فغالبًا ما تعاني النساء في الريف اليمني من نقص الضروريات الأساسية، كوسائل النقل والوصول الى المرافق التعليمية والصحية. لكنّ هذه التحديات لم تكن عائقاً أمام فاطمة وأسرار عندما تمكنّ من تطوير مشروع الخياطة الخاص بهن في فترة قصيرة وبدأ المزيد من الناس يسمعون عن خدماتهن ويطلبون منتجاتهن. صرحت فاطمة: "نصمم الفساتين والقمصان والسراويل التي نسوقها في المناطق القريبة والبعيدة. الناس يحبون عملنا، أصبحنا مشهورين"!
تعمل هؤلاء النساء كل يوم بجد بجانب كومة كبيرة من المواد التي تشكل مهام العمل اليومية. بتفان وشغف، تعمل فاطمة وأسرار حتى ساعات متأخرة من الليل في شد الغرز وتقليم الخيوط. لم يكن من السهل عليهن العمل في منطقة ريفية حيث تواجه النساء العديد من التحديات، أبرزها الوصول إلى التعليم والحق في العمل. ومع ذلك فقد عقدن العزم على إيجاد طريقة للاستمرار. قالت فاطمة: "سأواصل العمل في مشروعي لأنني أريد تأمين التعليم لطفلي".
إنّ الروح القيادية والقتالية التي تحافظ عليها العديد من النساء اليمنيات، مكّنت أسرار وفاطمة من التغلب على الظروف المدمرة للصراع، والتي زادت العبء على المرأة الريفية. على الرغم من الصعوبات الأسرية ، والبنية التحتية السيئة ، والقيود الاجتماعية ، ومحدودية موارد النقل والطاقة ، وحتى الصور النمطية - تغتنم المرأة الريفية مثل أسرار وفاطمة الفرص الحالية ، وفي بعض الأحيان تخلق فرصًا جديدة ، وتقدم مساهمات كبيرة لأسرها ومجتمعاتها.
توضح فاطمة: "في غضون سنوات قليلة ، نحلم بتوسيع مشروعنا والوصول إلى الأسواق الكبيرة". تحلم المرأتان الطموحتان، فاطمة وأسرار، بتنمية المشروع، وبغض النظر عما يحدث ستواصلان العمل الجاد لتحقيق أهدافهما.
بتمويل مشترك ودعم من قبل الاتحاد الأوروبي والوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي، يساعد البرنامج المشترك لدعم سبل العيش والأمن الغذائي في اليمن (الصمود الريفي) المجتمعات الضعيفة على بناء فرص كسب عيش بديلة من خلال نهج اجتماعي واقتصادي شامل، والذي زاد من المشاركة الإيجابية للمرأة في الأنشطة المدرة للدخل، مثل النقد مقابل العمل وإنشاء المشاريع الصغيرة والتي تعد بالفعل علامة فارقة بالنظر إلى الأعراف والتقاليد الإجتماعية الصارمة في المناطق المستهدفة.