طليعة مقدمي الاستجابة اليمنيين ينقذون حياة المهاجرين في الحدود الشمالية
رامي إبراهيم | مساعد التواصل في المنظمة الدولية للهجرة في اليمن
آنجيلا ويلز | مسؤولة الإعلام والتواصل في المنظمة الدولية للهجرة في اليمن
صعدة – قبل الفجر، يقوم الدكتور عصام بوضع فراش رقيق على الأرض، ويستلقى عليه ثم يظل محدقاً في السقف. يأخذ نفساً عميقاً ثم يزفره ويشعر بألم في عضلات جسده المجهد. عيناه مثقلتان، لكنه يظل قلقاً من أن المزيد من المرضى سيأتون إلى المستشفى في تلك الليلة.
طبيب الطوارئ اليمني يعمل في مستشفى على الحدود الشمالية لليمن في مدينة صغيرة تسمى مُنَبِّه. يستقبل، بشكل مستمر، هو وفريقه الطبي الصغير المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية، وغالباً ما يكونون من المهاجرين الإثيوبيين الذين يأتون للحصول على المساعدة بعد أسابيع، إن لم تكن أشهر، من السفر الشاق.
قال الدكتور عصام: "يقع هذا المستشفى على الطريق الذي يسلكه المهاجرون للوصول إلى الحدود مع المملكة العربية السعودية. في كل يوم يأتي المهاجرون إلى غرفة الطوارئ مصابين بجروح بالغة وفي حالة خطرة."
ويتابع قائلاً: "هذا هو المستشفى الوحيد في المديرية"، مضيفاً أن قسم الطوارئ يستقبل كل شهر ما معدله 1500 مريض يعانون من إصابات وجروح ومضاعفات لأمراض معدية ومزمنة.
المهاجرون الذين يأتون لتلقي الرعاية هنا يكونون قد عبروا صحاري القرن الأفريقي سيراً على الأقدام، وقاموا برحلات بالقوارب عبر خليج عدن، وانتقلوا شمالاً للوصول إلى وجهتهم في المملكة العربية السعودية، غالباً على أيدي أشخاص خطرين يتاجرون بالبشر.
يتعرض المهاجرون في كثير من الأحيان لأصناف من انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الحدودية. فالعديد من الذين يتم استقبالهم في مستشفى مُنَبِّه هم من الناجين.
غالباً ما يحتاج هؤلاء المهاجرون إلى رعاية طارئة أو رعاية على المدى الطويل بعد تعرضهم لإصابات خطيرة جراء هجمات عنيفة أو ظهور مشاكل صحية بسبب الرحلة المضنية.
يستذكر إبراهيم*، مهاجر إثيوبي: "لقد فقدت وعيي تماماً، لكن شخصاً ما أخذني إلى هذا المستشفى. كانت حالتي سيئة للغاية، وكنت أنزف"
وقال جبري*، مهاجرٌ آخر: "لم أعتقد أبداً أنني سأعيش. ظلت فكرة الموت دوماً تراودني."
نجا كل من إبراهيم وجبري من هجمات عنيفة منفصلة أثناء سفرهما شمالاً. وبعد تلبية احتياجاتهما الطارئة في مستشفى مُنَبِّه، تم نقلهم بعد ذلك بسيارة إسعاف إلى صنعاء، حيث خضع إبراهيم لعملية جراحية، وتلقى جبري رعاية حيوية أخرى.
إن العديد من المهاجرين الذين يأتون إلى المستشفى هم ممن تقطعت بهم السبل في منطقة مُنَبِّه، بعد أن أدركوا أنهم غير قادرين أو غير راغبين في المخاطرة بالعبور.
بعد أن تمضي عليهم شهور دون سكن أو مياه نظيفة أو خدمات أساسية، غالباً ما تتدهور صحة هؤلاء المهاجرين. وتنتشر أمراض مثل الملاريا والكوليرا والسل والتهاب الكبد وعدوى الجهاز التنفسي العلوي بشكل كبير بين المهاجرين.
وقال سامي*، رجل إثيوبي أحضر زوجته أنيسة* لتضع وليدهما في مستشفى مُنَبِّه :"من المستحيل بالنسبة لنا الحصول على الدواء هنا، وبالكاد نحصل على الطعام أو الماء أو الملابس. والكثير مِنَّا لا يملك فرشاً أو بطانية ويكون الجو بارداً في الخارج. وليس لدينا ما يحمينا من البعوض".
تقطعت السبل بأنيسة وسامي في هذه المنطقة منذ أن بدأت جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث أوقفتهما القيود المفروضة على التنقل من المضي نحو المملكة العربية السعودية للعثور على عمل. وعَلِمَا فيما بعد مدى خطورة الرحلة وقررا عدم الاستمرار.
على مدار العامين الماضيين، كانا يحاولان كسب المال الذي يحتاجانه للبقاء على قيد الحياة، بينما يحاولان معرفة خطواتهم التالية.
وأردفت أنيسة البالغة من العمر 25 عاماً: "كانت حياتي أسهل قبل مجيئي إلى مُنَبِّه. ليس لدي ما أقدمه لطفلي عند ولادته. أود أن أعمل ولكني لا أستطيع ومعي طفل. كل شيء باهظ الثمن هنا".
وأضافت أنيسة: "الأطباء هنا [في مستشفى مُنَبِّه] يعتبرونني أختاً لهم. إنهم يساعدونني في تغطية التكاليف الطبية لحملي من جيوبهم. وقد بذلوا كل استطاعتهم لمساعدتنا."
أمَّا أيمن*، وهو مهاجر يبلغ من العمر 41 عاماً، فقد جاء لتلقي الدعم من الطاقم الطبي في مستشفى مُنَبِّه بعد أن تقطعت به السبل. وبعد تلقيه للدعم الطارئ، انتقل إلى مستودع بالقرب من المستشفى حيث يمكث المرضى الذين يحتاجون لرعاية طويلة الأمد.
وقال أيمن: "الأطباء في هذا المستشفى لطفاء جداً معنا. لم يتم تحصيل أي رسوم منا مقابل أي شيء، وكانوا يأتون للاطمئنان علينا بشكل متكرر. كما يدعمنا أفراد المجتمع المحلي بالمأوى والوجبات الأساسية."
ومن المثير للقلق، أن أفراد الطاقم الطبي يتبرعون في كثير من الأحيان بدمائهم لإجراء تدخلات منقذة للحياة، حيث يوجد نقص في المستلزمات ومعدات التخزين والفحص الضرورية.
وأضاف الدكتور عصام أن طاقمه غالباً ما ينفقون دخلهم الشخصي لشراء الطعام والماء لمرضاهم حتى يتمكنوا من تناول أدويتهم على معدة ممتلئة، وأن أفراد المجتمع المستضيف هم من يقومون في الغالب بتوفير السكن للمهاجرين المحتاجين ونقلهم إلى المستشفى لتلقي الخدمات.
بينما يبذل الأطباء في مُنَبِّه جهوداً جبارة لخدمة كل أولئك الذين يسعون للحصول على الرعاية، فإن المستشفى يعاني من نقص شديد في الموارد.
وقال الدكتور عصام: "الأدوية المتوفرة لدينا ليست كافية تقريباً، وليس لدينا مساحة كافية لاستقبال التدفق الكبير من المرضى، ونفتقر للمعدات الضرورية، مثل جهاز الأشعة السينية".
واستطرد: "بسبب نقص الموارد لدينا، يجب علينا نقل العديد من الجرحى يومياً إلى مستشفيات أفضل تبعد ساعات عن هنا. ونظراً لعدم توفر سيارات إسعاف كافية، يتعين علينا نقلهم في شاحنات مكشوفة."
تعمل المنظمة الدولية للهجرة، بدعم من حكومتي ألمانيا وفنلندا، على تخفيف هذا الضغط المتزايد على هؤلاء الطليعة من المستجيبين، والمرافق الصحية، والمجتمع المحلي.
فمن خلال دعم المنظمة الدولية للهجرة لمستشفى مُنَبِّه، تتمكن الفرق الصحية من تقديم الخدمات الطبية الطارئة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويتمثل هذا الدعم في المساهمة في دفع الحوافز للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وتوفير الأدوية والمستلزمات والمعدات والأكسجين، بالإضافة إلى دعم الإحالات الطارئة إلى مستشفيات في مواقع أخرى يمكنها تقديم رعاية أكثر شمولاً.
في النهاية، هذا الدعم هو الذي يسمح للطاقم الطبي المجتهد بمواصلة تقديم الخدمات للمهاجرين والنازحين الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وذلك لمساعدة أشخاص مثل أنيسة وسامي على ولادة طفل سليم، أو جبري وإبراهيم على النجاة من حوادث كادت تودي بحياتهما.
كما تقدم المنظمة الدولية للهجرة وشركاؤها الرعاية الصحية طويلة المدى للمهاجرين المحتاجين في صنعاء. وفي أماكن السكن المدعومة من المنظمة الدولية للهجرة، يجد المهاجرون الذين يعانون من ظروف صعبة، مكاناً آمناً للإقامة وتلقى المساعدة المتخصصة. ويكون الكثير من هؤلاء في انتظار رحلات العودة الإنسانية الطوعية التي تسيرها المنظمة الدولية للهجرة ليعودوا إلى بلدانهم.
يوجد أكثر من 200,000 مهاجر بحاجة إلى مساعدات إنسانية في اليمن. وتقدر المنظمة الدولية للهجرة أن هنالك ما لا يقل عن 43,000 مهاجر قد تقطعت بهم السبل ويعيشون في ظروف مزرية ويفتقرون إلى المياه والغذاء والرعاية الصحية.
تستمر المنظمة الدولية للهجرة في دعوة الجهات المانحة لتقديم المزيد من المساهمات حتى تتمكن المنظمة من تقديم دعم أفضل لطليعة المستجيبين أمثال الدكتور عصام للوصول إلى المزيد من المهاجرين المحتاجين في اليمن.
* تم تغيير الأسماء.