المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: تقريب البعيد قصة عن المثابرة والعودة إلى الوطن
--
عدن، اليمن
في مرتفعات إثيوبيا، نشأ محمد محاطاً بالنشاط في قريته النابضة بالحياة، حيث كان يحلم بإكمال تعليمه. كانت عائلته تمتلك منزلاً متواضعاً من الطين، ومزرعة، وبعض الأغنام. ورُغم الأوقات الصعبة، واصل محمد العمل ودعم عائلته في المزرعة، دون أن يفقد الأمل في تحقيق حلمه.
ومع مرور السنين، حولت موجات الجفاف الأراضي الخصبة إلى تربة جرداء، وبدأ الصراع في المناطق المجاورة بالانتشار. كانت مسؤولية تأمين مستقبل أسرته وتوفير الطعام لهم تقع على كاهل محمد.
يقول: "كان قرار مغادرة بلدي أصعب قرار اتخذته أنا ووالدي." ويضيف: "كنت أريد أن أدرس، وأجد عملاً، وأوفر حياة أفضل لعائلتي."
عبور البحر
مفعماً بالأمل، وضع محمد خطة للسفر إلى اليمن ومن ثم الاستمرار حتى بلوغ المملكة العربية السعودية، حيث كان يؤمن بوجود فرص واعدة. وصّدّقَ محمد وُعُود المُهربين بأن الرحلة ستستغرق بضعة أيام فقط، وانطلق في رحلة محفوفة بالمخاطر من إثيوبيا إلى اليمن، مصمماً على تحسين حياته ودعم عائلته.
في تلك اللحظة، لم يكن محمد يتخيل أن هذه الرحلة ستعزله عن عائلته لمدة 25 عاماً. كان عبور البحر من الصومال إلى اليمن تجربة مرهقة استمرت 36 ساعة، مليئة بالأمل والخوف. وتحول قلقه إلى خوف حقيقي عندما شاهد أربعة من المسافرين يغرقون أمامه.
كان عدم اليقين بالمستقبل كبيراً بحجم البحر الواسع: هل سيصل إلى وجهته بسلام؟ ماذا سيجد في الجانب الآخر؟ وخلال تلك الساعات التي بدت كانها الدهر كله، اكتشف محمد المعنى الحقيقي للصمود، متمسكاً بالأمل رغم الخوف الذي يهدده. يقول: "لم يكن هناك ما يمكن أن يجهزني لما مررت به."
عالق في اليمن
بعد وصوله إلى اليمن، وكغيره من المهاجرين، كان عليه أن يبدأ مسيرة طويلة نحو صنعاء، حيث كان مئات المهاجرين ينتظرون تحقيق الحُلُم ذاته: دعم أسرهم في إثيوبيا. ومع ذلك، تحطمت آمال محمد في الوصول إلى الحدود. وعندما لم يجد عملاً، تزايدت معاناته وتلاشت أحلامه في الوصول إلى السعودية تدريجياً.
يقول محمد: "كنت أشعر بالحزن وخيبة الأمل لأنني حاولت أكثر من ثلاث مرات الوصول إلى السعودية ولم أنجح. لم أستطع حتى العثور على عمل في اليمن." ويضيف: "كان هذا الأمر صعباً، لأن عائلتي تعتمد عليّ في إعالتها."
بالنسبة للعديد من المهاجرين الإثيوبيين، تعتبر اليمن بوابة لفرص أفضل، رغم التحديات التي تواجهها البلاد. وفي عام 2024، حاول أكثر من 10,000 مهاجر القيام بالرحلة إلى اليمن، غير مبالين بظروف المعيشة الصعبة والمخاطر التي يواجهونها. يتعرض هؤلاء المهاجرون غالباً للوصم، بالإضافة إلى سوء المعاملة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
"إخواني الإثيوبيون يعيشون في ظروف مروعة. الكلمات لا تستطيع وصف مدى سوء الأوضاع التي نواجهها ونحن في طريقنا إلى اليمن، ونواجه باستمرار تهديدات الاتجار والاستغلال." – محمد، مهاجر إثيوبي
الانتصار على المعاناة
لعدة أشهر، نام محمد في الشوارع مستخدماً الواح من الكرتون كفراش مؤقت، واعتمد على بقايا الطعام من المطاعم للبقاء على قيد الحياة. عازماً على تغيير وضعه، انطلق في رحلة محفوفة بالمخاطر من صنعاء إلى مدينة مأرب، مدفوعاً بالأمل في مواصلة دراسته.
وفي مأرب، وجد عملاً متواضعاً في محطة وقود، كان يوفر له ما يكفي لتلبية احتياجاته اليومية وتغطية تكاليف دراسته. ولحسن الحظ، ساعدته معرفته باللغة العربية، التي تعلمها في بلده، على التأقلم بسرعة ومواصلة دراسته في اليمن.
وبعد إكمال دراسته، التقى محمد بزوجته، وتزوجا، وأنجبا أربع بنات. وعلى الرغم من استقراره إلى حد ما، واصل توفير المال بحرص، متشبثاً بالأمل في لم شمل أسرته في إثيوبيا.
أنشأ محمد صداقات جديدة مع إثيوبيين آخرين يعيشون معه في الوضع الصعب نفسه. وكانوا يتبادلون قصص رحلاتهم ويشجعون بعضهم البعض. ومن خلال هذه المحادثات، اكتشف محمد المنظمة الدولية للهجرة والدعم الذي تقدمه لمساعدة المهاجرين على العودة إلى أوطانهم. يقول: "كنت مبتهجاً وانطلقت فوراً مع عائلتي إلى عدن."
وخلال السنوات الخمس الطويلة التي قضاها محمد في الدراسة والعمل في مأرب، تلاشت أحلامه في الذهاب إلى السعودية تدريجياً، لكنه كان يشعر بالقلق والحزن كلما فكر في عائلته.
"أنا ممتن حقاً لأنني تمكنت من إكمال دراستي. لكن طوال تلك الفترة، كنت أفكر باستمرار في عائلتي وأتساءل متى وكيف سأراهم مرة أخرى." – محمد، مهاجر إثيوبي
الطريق إلى الوطن
استجابةً للوضع المأساوي الذي يعيشه المهاجرون، تدير المنظمة الدولية للهجرة نقاط استجابة للمهاجرين في اليمن لتقديم الخدمات الأساسية، مثل مواد الإغاثة وخدمات الحماية والرعاية الصحية والدعم النفسي الاجتماعي.
ولتأمين عودة آمنة، تنظم الدولية للهجرة رحلات العودة الطوعية الإنسانية بانتظام بالتعاون مع السلطات. وتوفر المنظمة أيضاً الوثائق اللازمة للسفر. ويتلقى المهاجرون فحوصات طبية، وجلسات توعية، وحقائب سفر أساسية، وطعاماً وإقامة في المركز قبل المغادرة. وبدعم من فريق الحماية التابع للمنظمة، تم تسجيل محمد وعائلته وتجهيز وثائقهم، وبعد فترة وجيزة، انطلقوا في رحلة عودة طوعية إلى ديارهم.
ينتظر المهاجرون العالقون، ومعظمهم من الإثيوبيين، عدة أشهر أو حتى سنوات للحصول على فرصة للعودة إلى ديارهم. وتعتبر رحلات العودة الطوعية الإنسانية من اليمن شريان حياة للكثيرين، حيث يواجهون تحديات أمنية خطيرة ونقص في الاحتياجات الأساسية وسوء المعاملة. وفي عام 2024 وحده، ساعدت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 4,000 مهاجر إثيوبي على العودة الآمنة إلى ديارهم.
يقول محمد: "لم أستطع كبح دموعي عندما أدركت أن وثائقنا جاهزة وأننا سنكون قريباً سنكون في رحلة العودة إلى الوطن مع أطفالنا." ويضيف: "أعلم أن والديّ سيكونان سعيدين للغاية برؤية أحفادهم لأول مرة، وأريد أن يتمكن أطفالي من صنع ذكريات جميلة معهم."
يتم تمويل برنامج العودة الطوعية الإنسانية التابع للمنظمة الدولية للهجرة في اليمن من مكتب الولايات المتحدة لشؤون السكان واللاجئين والهجرة.