المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: رحلة الشفاء - الدعم بخدمات الصحة النفسية يقوي المجتمعات النازحة في أوقات الأزمات
الدعم بخدمات الصحة النفسية يقوي المجتمعات النازحة في أوقات الأزمات
مأرب، اليمن
في ظل ظروف الصراع القاسية والنزوح والفقر والبُنية التحتية المُتدهورة، الصحة النفسية والاجتماعية لليمنيين في خطر كبير من التدهور. وبالنسبة للكثيرين، كل يوم هو معركة مستمرة للبقاء، وهذا ما يشكل عبئاً ثقيلاً على صحتهم النفسية. ومع ذلك، وفي خضم هذه الصعوبات، يظهر بريق الصمود.
بالنسبة لسلوى*، كانت بداية الحرب ضربة قوية لحياتها المستقرة في مدينة صنعاء حيث كانت تعيش مع زوجها المُحب صالح وأطفالهما. بنت سلوى حياة هنيئة مليئة بالحب والأمل. وعلى الرُغم من التحديات، تمكنوا من تحقيق بعض الاستقرار. ولكن مع تصاعد الفوضى في المدينة، اتخذت الأسرة القرار الصعب بالفرار إلى مأرب.
مشاكل النزوح لم تقتصر على رحلة النزوح فحسب. جلبتُ عائلتي إلى الأمان، لكن لم يكن لدي المال لتوفير سقف فوق رؤوسهم.
بِدء حياة جديدة في مكان غير مألوف هو العبء الحقيقي. — صالح
صعوبات النزوح
على الرُغم من هذا التحول المفاجئ في الأحداث، قررت الأسرة إنشاء مأوى متواضع والاستقرار فيه حتى تتحسن الأوضاع. ولكن كان عبء النزوح ثقيلاً على كاهل سلوى.
"كنت أرى الجانب السلبي فقط من الأمور"، تتذكر سلوى. "حتى علاقتي مع زوجي وأطفالي تأثرت. لم أعد أهتم بنفسي، أو بعائلتي، أو ببيتنا."
تدريجياً، تسللت المعاناة النفسية إلى حياة سلوى، مما أدى إلى انسحابها من المدرسة، وقطع علاقاتها مع الآخرين، وفقدانها الاهتمام بالروتين اليومي. وفي مواجهة هذا الوضع، شعر صالح بإحساس عميق بالعجز، حيث أصبح كل يوم يمر عليه، أكثر ظلمة من اليوم السابق.
أزمة الصحة النفسية
تسببت سنوات الصراع في تهييج أزمة صحة نفسية متزايدة في مختلف أنحاء البلاد. وتفاقم هذا الوضع المُقلق بسبب النقص الحاد في المختصين المُدربين ومرافق العلاج. ونتيجة لذلك، يواجه ما يقدر بنحو 7 ملايين شخص حالياً مشاكل نفسية وضغوط نفسية بسبب النزاع المستمر.
في المجتمع اليمني المتماسك، هناك اعتقاد قديم بأن خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي مخصص فقط لأولئك الذين يعانون من حالات شديدة، مما يدفع الكثيرين إلى التردد في طلب المساعدة عندما يكونون في أمس الحاجة إليها.
"سابقاً، عندما سمعت أن شخصاً ما يزور طبيب نفسي، كنت أفترض أنه مجنون"، قالت سلوى.
وفي ضوء الحاجة الملحة للرعاية النفسية، تدخلت المنظمة الدولية للهجرة لتقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي الأساسية للمجتمعات المتضررة بالصراع في مدينة مأرب، التي تستضيف أكبر عدد من المجتمعات النازحة والمهاجرين الضعفاء.
كانت الأخصائية النفسية التي تعمل في المنظمة الدولية للهجرة، مها محي الدين، مشاركة بشكل كبير في تلبية هذه الاحتياجات النفسية الملحة. انضمت مها إلى المنظمة في عام 2021، وتولت دور الأخصائية النفسية في العيادة الثابتة الواقعة داخل موقع الجُفينة، ودعمت تقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي في الفرق الطبية المتنقلة. تلعب هذه الفرق دوراً حيوياً في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي الأساسي للمجتمعات النائية حول مأرب.
رفع الوعي
خلال مسيرتها المهنية، واجهت مها العديد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى دعم نفسي، لكنها تعتقد أن النازحين هم الأكثر ضعفاً. وبالتشارك مع فريقها، تُقدم مجموعة واسعة من الخدمات، بما في ذلك المشورات النفسية، والجلسات العلاجية الفردية والجماعية، والتثقيف النفسي، والمناقشات الجماعية، والأنشطة النفسية الاجتماعية الأخرى.
"النزوح وتدهور الأوضاع المعيشية قد ساهما بشكل كبير في تفاقم الحالة النفسية للعديد من الأشخاص الذين نقابلهم"، تشرح مها. "الكثيرون يأتون إلينا في مراحل حرجة، بعد أن استنفدوا جميع الموارد المتاحة ويواجهون نكسات خطيرة."
اكتشف صالح الدعم النفسي الذي تقدمه المنظمة الدولية للهجرة في عيادة الجفينة وسعى بحماس للحصول على المساعدة لزوجته. "أعتقد أن الدعم النفسي ضروري لكل عائلة"، يؤكد صالح. "إنه مهم بقدر أهمية الصحة الجسدية، خاصة بالنظر إلى المواقف العصيبة التي يتعين على الكثير منا المرور بها."
يُصر صالح على وجوب زيادة الوعي حول أهمية الدعم النفسي والاجتماعي داخل المجتمعات. ويؤمن بأنه من الضروري تغيير الفهم السائد حول الصحة النفسية وتسليط الضوء على دورها في تخفيف الضغوطات عن الجميع، وليس فقط لأولئك الذين يواجهون ظروفاً قاسية.
السعي للحصول على المساعدة
قرار سلوى بزيارة مها في العيادة كان بداية رحلتها نحو الشفاء. بدأت علاجها بالأدوية الموصوفة لتخفيف أعراضها الشديدة، وتلى ذلك سلسلة من عشر جلسات علاج نفسي على مدى ثلاثة أشهر. استغرق الأمر عدة جلسات قبل أن تبدأ سلوى في كشف ما تشعر به حقاً وما يعنيه ذلك.
"لقد اعترفت لي بأنها لم تعد ترغب في الحياة"، تتذكر مها. "كانت حالتها شديدة، تتميز بالأرق المستمر والأفكار السلبية المتواصلة."
مع مرور الوقت وبدء سلوى في الشعور ببعض الراحة، أدركت أهمية الصحة النفسية وتأثيرها على حياة الشخص. وعادت في النهاية إلى المدرسة وبدأت مشروعها الصغير في بيع الحرف اليدوية.
مع حل مشاكل سلوى وصالح الرئيسية، بدأت أوضاعهم الأسرية في التحسن. حيث وجد صالح عملاً كمعلم رياضيات في مدرسة قريبة، بينما كانت سلوى تبيع الإكسسوارات لدعم الأسرة. كما عاودت سلوى تربية أطفالها والتواصل مع أصدقائها وتعلمت أن تكون أكثر صموداً في أوقات الأزمات. والآن، تشجع سلوى من حولها على عدم التردد في طلب المساعدة أيضاً.
"عندما جئت هنا، أدركت أن طلب هذا النوع من الدعم أمر طبيعي". تشرح سلوى: "من المريح أن أجد شخصاً يمكنني التحدث معه بصراحة وأثق به في حياتي. شعرت بإحساس كبير من الراحة."
FOOTNOTES الدعم بالصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي المقدم من المنظمة الدولية للهجرة ممول من الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية ومكتب المساعدات الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.