المنظمة الدولية للهجرة - اليمن: نَفَسٌ من الأمل - عزيمة اليمن لأنهاء السل
--
صنعاء، اليمن
اعتاد فارس أن يصنع منتجات بلاستيكية يومياً دون كلل أو ملل، متخلصاً من الأعباء التي تثقل كاهله والمسؤوليات الثقيلة التي يتحملها. ذكّرته آلات المصنع الذي يعمل فيه بمتجر البِقالة المزدحم الذي كان يملكه قبل أن يجرفه الصراع الطويل في اليمن.
وعلى الرُغم من شعوره بالضيق وتنفسه بصعوبة، إلا أن فارس أستمر في المُثابرة، مدفوعاً بالحاجة إلى إعالة زوجته وأطفاله الثلاثة الذين ينتظرونه في المنزل. وبالرغم من ذلك، ومع مرور الأسابيع والأشهر، بدأ فارس يدرك خطورة مشاكله الصحية. حيث أدى الإرهاق الشديد وضيق التنفس الذي يعاني منه إلى تحويل حتى أبسط المهام اليومية إلى تحدٍ صعب.
زار فارس عدة أطباء باحثاً عن تفسيرات لحالته، لكن أعراضه استمرت، مما أصابه بخوف شديد.
"كنت خائف من مرضي، اقتنعت بأن المرض سيقتلني."
العزيمة والصمود
لم يحصل فارس على تشخيص مؤكد إلا بعد إحالته إلى مركز السل بمستشفى الدرن بصنعاء: حيث شُخص بمرض السل - وهو مرض هدد بحرمان فارس من مستقبله مع عائلته.
بدأ فارس نظامه العلاجي لمرض السل كما حدده أخصائيو الرعاية الصحية في المركز. وبالإضافة إلى ذلك، خضعت عائلته وأصدقاؤه والأفراد المقربين منه إلى فحوصات السل وحصلوا على جلسات توعية حول السل لمنع انتشاره بشكل أوسع. وبفضل الأدوية والرعاية المستمرة، استعاد فارس تدريجياً قوته البدنية، ومعها أستعاد روحه.
"أنا ممتن لكل الرعاية والدعم الذي قٌدم لي في المركز، حصلت على فرصة ثانية في الحياة."
تحديات إقليمية
منطقة الشرق الأوسط مليئة بالتحديات بشكل خاص. ويتمثل أحد تلك التحديات في تزايد عدد اللاجئين والنازحين داخلياً، وعدم الاستقرار السياسي، وتراجع النمو الاقتصادي. أدت الصراعات المستمرة في بلدان مثل اليمن إلى نزوح الملايين، وتعطيل الشبكات الاجتماعية وأثرت بشدة على خدمات الصحة العامة.
الوضع في اليمن فظيع للغاية، خاصة مع وجود تحديات شديدة في مجال الرعاية الصحية وفي المجال الاقتصادي ناجمة عن الصراع المستمر منذ عقد من الزمن. ويعيش أكثر من 80 بالمائة من السكان في اليمن تحت خط الفقر، ونصف المستشفيات لا تعمل، وفقاً لتقرير النظرة العامة على الإنسانية في اليمن لعام 2024.
وبصفته مشروعاً متعدد البلدان، تهدف المرحلة الثالثة من مشروع الاستجابة في الشرق الأوسط إلى تقديم الخدمات الأساسية المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا في البيئات الصعبة التي تتميز بحالات الطوارئ المعقدة والحادة.
وفقاً المركز الوطني لمكافحة السل، كانت هناك زيادة ملحوظة في حالات السل في السنوات الأخيرة، حيث تم تسجيل 11,000 حالة في مختلف أنحاء اليمن في عام 2023. وتدعم المنظمة الدولية للهجرة بشكل فعال البرنامج الوطني لمكافحة السل في اليمن، مما يضمن حصول المجتمعات المحلية على خدمات الوقاية من السل والكشف عنه وعلاجه مجاناً. وتهدف الجهود المبذولة إلى تحسين خدمات الوقاية من مرض السل ورعاية مرضاه، وخاصة للمهاجرين والنازحين داخلياً والعائدين المُعرضين بشكل خاص للإصابة بالسل.
تلعب عوامل الفقر ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية بسبب الصراع في البلاد، بالإضافة إلى نقص الوعي، دوراً رئيسياً في انتشار الأمراض المعدية، بما في ذلك مرض السل،" وضح الدكتور عبد الحميد، مسؤول مشروع الصحة المحلي بالمنظمة الدولية للهجرة.
تقاطع طرق الأمل
وبينما كان فارس يخضع لفحصه الدوري في المركز، كانت كدست، المهاجرة الإثيوبية البالغة من العمر 20 عاماً، تتلقى العلاج من عدوى مرض السل التي أصيبت بها أثناء بحثها عن حياة أفضل. مدفوعة بالأمل، انطلقت كدست في رحلة بحثٍ عن فرص أفضل لكسب المعيشة، هاربةً من المصاعب في وطنها، لتصل إلى اليمن الذي مزقته الحرب ولتواجه مجموعة جديدة من التحديات.
وتقاطعت رحلة كدست مع رحلة بادو الذي غادر إثيوبيا لأسباب مماثلة ويقيم في اليمن منذ ثمان سنوات. ومنذ ذلك الحين تزوجا وهما الآن يواجهان تحديات حياتهما الجديدة سوياً، خاصة مع اقتراب ولادة طفلهما. وعلى الرغم من كفاحهم، إلا أنهم ما زالوا يرسلون جزءاً من دخلهم لدعم أسرهم في إثيوبيا.
تَقَبُل التعافي
وفي محاولة للمساهمة في إعالة أسرتها، حصلت كدست على وظيفة كعاملة منزلية لدى أسرة لها طفل مصاب بالسل. ولأنها لم تُدرك طبيعة المرض المُعدية، أمضت كدست وقتاً حول الطفل أثناء قيامها بواجباتها. مع مرور الوقت، بدأت كدست تعاني من صعوبات في التنفس ومن السعال. وبفضل دعم زوجها، طلبت العلاج في أحد مراكز مرض السل، وبدأت رحلة نحو التعافي.
مع مرور كل يوم، وجدت كدست وزوجها القوة في مواجهة مرضها. وهي الآن في المراحل النهائية من تعافيها.
"منذ أن أصبحت حاملاً، كنت قلقة على صحة طفلي، لكن الطبيب طمأنني، وهذا جلب لي راحة كبيرة