تستمر الأمراض التي يمكن الوقاية منها بالانتشار في اليمن: حاجة ملحة لتحصين الأطفال
التحديات الهائلة التي تواجه جهود التحصين تؤثر على الأطفال الأصغر سنا
سأضل بقية حياتي أتحسر على رؤية ابني مشلولا، تقول بشرى، والدة محمد.
أصيب محمد البالغ من العمر أربع سنوات بشلل الأطفال في أواخر 2021. تتذكر بشرى أنه أصيب بحمى شديدة، وفجأة أصبحت ساقه اليمنى ضعيفة. يعد الشلل الرخو الحاد علامة رئيسية من علامات عدوى فيروس شلل الأطفال، وقد تم تأكيدها في حالة محمد من خلال الفحوصات المختبرية، مما جعلها واحدة من أولى حالات تفشي مرض شلل الأطفال الدائر.
منذ عام 2021 أصيب 228 طفلا بالشلل في اليمن بسبب تفشي شلل الأطفال الدائر. ومن المتوقع أن يرتفع عدد حالات الإصابة بفيروس شلل الأطفال في اليمن، الذي تم القضاء عليه في جميع أنحاء العالم تقريباً وأصبح القضاء عليه عالمياً في متناول اليد.
تقول بشرى: "حزني على ابني لا يوصف بالكلمات." فقد كان يمشي ويلعب. وفجأة أصبح معاقاً، لا يتحرك ولا يستطيع اللعب مثل إخوته، ولا يستطيع تحريك ساقه على الإطلاق."
انتشار شلل الأطفال وغيره من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات في اليمن
ليس شلل الأطفال المشكلة الوحيدة، فعلى خلفية الصراع المستمر وانتشار سوء التغذية على نطاق واسع ونقص الغذاء والدواء، يعد تفشي هذا المرض- الذي هو ضمن الأمراض المتعددة التي يمكن الوقاية منها باللقاحات- من أبرز المشاكل في اليمن والتي يمكن حلها بسهولة.
الأرقام المسجلة مرعبة، فقد سجل اليمن أكثر من 22,000 حالة إصابة بالحصبة في عام 2022، بما فيها 161 حالة وفاة. ومنذ عام 2023 حتى الآن، ارتفعت الحالات إلى 9,418 حالة، بما في ذلك وفاة 77 طفلا. كما أن حالات الخناق والسعال الديكي مستمرة في الارتفاع، وكذلك الوفيات الناجمة عن كل مرض.
إن النظام الصحي الهش بالفعل والمثقل بالأعباء في اليمن، إلى جانب المناعة السكانية دون المستوى الأمثل ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، يزيد من احتماليات تفشي الأمراض. وعلاوة على ذلك، فإن لعدم التحصين آثار اجتماعية واقتصادية سلبية كبيرة على الأسر التي تواجه ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات. كما أن التكلفة البشرية لتفشي هذه الامراض عالية ومؤلمة. حيث أن الأطفال هم من يتحملون أعبائها، وليس البالغين.
التحديات التي تواجه جهود التحصين
إن تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات في اليمن هو نتيجة مباشرة لمستويات المناعة المنخفضة بشكل متزايد لدى الأطفال. ومع الانخفاض السريع في نسب التغطية للتحصين، من المتوقع تزايد معدلات الوفيات بشكل خطير، خاصة إذا استمرت معدلات سوء التغذية في الارتفاع.
على مدى عقود، كانت معدلات التغطية العالية لتحصين الأطفال في اليمن من بين الأفضل في المنطقة، وظلت مرتفعة بفضل دعم الدولة المستمرلأنشطة رفع الوعي المجتمعي ونظام الصحة العامة القوي. ولكن للأسف، فقد قضى الصراع على هذه الجهود.
منذ تأكيد فاشية فيروس شلل الأطفال البديل الدائرفي نوفمبر 2021، لم تتمكن المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال من الوصول إلى الأطفال من منزل إلى منزل في المحافظات الشمالية لليمن. ونتيجة لذلك، استمر تفشي شلل الأطفال في هذه المناطق، بل وانتشر إلى بلدان أخرى في المنطقة. ومن بين 228 حالة شلل أطفال في اليمن، 86 في المائة (197) حالة هي من المحافظات الشمالية.
وفي حين تم تنفيذ حملات متعددة للتطعيم ضد الحصبة وشلل الأطفال في المحافظات الجنوبية على مدى العامين الماضيين، فإن الجمود المستمر في المحافظات الشمالية بشأن أنشطة التحصين التكميلي يعرض الأطفال هناك للخطر بشكل خاص. وقد أدى تقييد حملات التطعيم الى إطار المرافق الصحية الثابتة فقط، إلى جانب إيقاف خدمات التوعية المجتمعية المتكاملة في جميع المحافظات الشمالية، إلى استمرار تفشي شلل الأطفال وغيره من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، وتحديداً الحصبة والدفتيريا. كما يؤثر تفشي الحصبة الحالي، المستمر منذ عام 2019، بشكل غير متناسب على الأطفال في هذه المناطق.
بالنسبة لبشرى، فإن انعدام المعرفة الكافية لخلق الدافع لتحصين أطفالها قد شكل خياراتها الصحية لأسرتها. يعد ابنها محمد من ضمن الأطفال الذين لم يتلقوا أي جرعة من اللقاح، مما يعني أنه غير محصن كلياً.
وتقول بشرى: "لم نكن نعلم بأنه يجب علينا أخذهم إلى المستشفى للحصول على التطعيم، ولم أكن على دراية بخطورة هذه الأمراض أو أن أياً من أطفالي سيصاب بها".
تلقى أطفال بشرى الثلاثة الأكبر سنا، صبيَان وفتاة، بعض التطعيمات خلال الحملات من منزل إلى منزل. ولكن، بين تاريخ ولادة محمد وبداية شلله، تشير بشرى إلى أنه لم تنفذ أي حملات من منزل إلى منزل. وهذا هو السبب في أن برنامج شلل الأطفال يدعو إلى التطعيم من منزل إلى منزل: فهو الطريقة التي توفر أعلى مستوى من التغطية، حيث تقدم اللقاحات حتى للأطفال الذين ربما فاتهم التحصين الروتيني حتى ذلك الحين.
ولا تزال هناك تحديات أخرى. انعدام الأمن في أجزاء من البلاد – لا سيما في بعض المديريات في المحافظات الجنوبية لليمن – يجعل الوصول إليها صعباً. والنتيجة هي أن معظم الأطفال في هذه المناطق لم يتم تطعيمهم.
المعلومات المضللة تقوض تغطية التحصين
على مدار العام الماضي أو نحو ذلك، لم يكن هناك اقبال على اللقاحات وانما عدوانية للابتعاد عنها. وقد ترسخت حملة متصاعدة من الدعاية المناهضة للقاحات على منصة يوتيوب والتلفزيون والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار الشكوك حول الحقائق العلمية الثابتة وزرع الخوف والشك في نفوس الآباء.
وفي حين يتم إنتاج المواد وبثها في المحافظات الشمالية، فإن آثارها ملموسة بشكل متزايد في المحافظات الجنوبية من البلاد. كان رفض الأباء والامهات في حملة التطعيم ضد شلل الأطفال من منزل إلى منزل في مارس 2023 أعلى بشكل ملحوظ مما كان عليه في الجولات الأخيرة الأخرى. ووفقاً لأنشطة المراقبة بعد الحملة والمحادثات مع أولياء الأمور فإن الدافع هو في الغالب جميع الشائعات القائمة على الخوف والمعلومات المضللة التي يتلقاها الآباء على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مجموعات الواتس أب. والنتيجة هي مزيج من عدم الثقة والتردد في تلقي اللقاح والرفض الذي يقوض تغطية التحصين.
وكلما طالت حملة التضليل الحالية، كلما زاد الخطر بأن يختار الآباء عدم تلقيح أطفالهم عندما يتم منحهم أخيرا تلك الحماية، بناء على مخاوف مضللة، وإن كانت حسنة النية.
التحصينات واجبة لمنع المزيد من انتشار هذه الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات وغيرها من الأمراض. بالنسبة لبشرى، فإن خيارها بعدم تطعيم ابنها محمد سيكون ثمنها تكلفة ستدفعه هي وابنها إلى الأبد - وهو ثمن تتمنى أن يحذر منه الآباء الآخرين.
"كان بوسعي الحفاظ على صحة ابني ولكنني لم أفعل. التطعيم مهم جداً – أكثر أهمية مما كنت أتخيل"