صندوق الأمم المتحدة للسكان - اليمن: خمسة أسباب لماذا يعتبر خفض التمويلات كارثي على النساء والفتيات في اليمن

---
في اليمن وفي جميع أنحاء الدول العربية، تتجلّى أزمة صامتة تلقي بضلالها القاتمة على حياة ملايين النساء والفتيات. وفي خضم اع وفي ظل الصدمات المناخية والنزوح والصعوبات الاقتصادية، يتم إيقاف خدمات الصحة الإنجابية والحماية المحورية للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي جرّاء خفض التمويلات. ويسفر ذلك عن عواقب مروعة، حيث تُعاني الأمهات من وضع مواليدهن دون رعاية طبية أساسية، وتُترك الناجيات من العنف دون دعم، وتواجه الفتيات خطرًا متزايداً من زواج الأطفال والاستغلال وسوء المعاملة.
- الحمل والولادة أكثر خطورة من أي وقت مضى
لم يكن حمل تغريد ذات الواحد والعشرين ربيعاً مجرد حمل بل تحملت فيه عبء البقاء على قيد الحياة، حيث تزوجت وهي طفلة، وكانت تقضي أيامها في جلب الماء ورعاية الأغنام وتدبير أمور منزلها. ومع اقتراب موعد ولادتها، ضعُف جسدها وبدأ الخوف يدب في جسدها، ولم يكن لديها مال للمواصلات ولا يوجد مرفق صحي بالقرب منها.
وعندما داهمتها آلام المخاض، شعرت بالرعب بدلاً من الفرح، فقد شعرت بشيء ما. وغيرت نصيحة إحدى جاراتها مصيرها، حيث أخبرتها عن الخدمات الصحية المجانية للأمهات في مستشفى مذيخرة، الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان بمحافظة إب.
وبما تبقى لديها من قوة، قطعت تغريد رحلة شاقة استغرقت ثلاث ساعات. وعند وصولها إلى المستشفى، شخّص الأطباء حالتها على أنها فقر دم حاد، وكان التدخل العاجل ضرورياً لإنقاذ حياتها وحياة جنينها. تم نقل دم لتغريد، وتلقت الرعاية الطارئة التي أنقذت حياتها.
ثم سُمع صراخ المولود، لقد نجت، وتعهدت وهي تحمل طفلها بأن تخبر كل امرأة عن المستشفى.
وقالت: "لا ينبغي أن تُعاني أي أم في صمت، معتقدةً أنها وحدها".
تنقل احتمالات النجاة من الحمل والولادة في اليمن صورة مروعة حيث تلقى امرأة واحدة حتفها كل ساعتين لأسباب مرتبطة بالولادة أو الحمل. وتعتمد العديد من المرافق الصحية على التمويل الإنساني قصير الأجل مما يجعل خدماتها غير مستدامة، حيث أن واحد فقط من كل خمسة مرافق صحية عاملة تقدم خدمات صحة الأم والوليد.
ومع انخفاض التمويل، سيصبح الحمل والولادة أكثر خطورة من أي وقت مضى في جميع أنحاء البلاد. وقد اضطر صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى تعليق دعمه لما يقرب من 50 مرفقاً صحياً بسبب نقص التمويل. وهذا يعني أن النساء الحوامل مثل تغريد قد يواجهن أثمن لحظاتهن وأكثرهن خطورة بمفردهن - بلا رعاية، وبلا أمان، وبلا أمل.

2. اختفاء الخدمات المنقذة لحياة الناجيات من العنف
عانت دينا -35 عاماً-من العنف وسوء المعاملة وفصلها قسراً عن أطفالها. وبعد أن تحطمت معنوياتها وعانت من ضائقة مالية، لم يكن أمامها خيار سوى العودة إلى منزل عائلتها المكتظ، حيث زاد الفقر من صعوبة الحياة.
عاقدة العزم على استعادة السيطرة على حياتها، بحثت دينا عن فرص عمل على الرغم من تعليمها المحدود. ومن خلال إحدى زميلاتها الناجيات، علمت بوجود مساحة آمنة للنساء والفتيات يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان في محافظة المهرة.
تلقت في هذه المساحة الآمنة الدعم النفسي الذي ساعدها على التعافي من الصدمة واستعادة تقديرها لنفسها. وتقديراً لشغفها بالخياطة، تم اختيارها للمشاركة في دورة تدريبية في هذا المجال لمدة 20 يوماً. وقد تفوقت في الدورة التدريبية وباعت منتجاتها، ثم وقع عليها الاختيار لاحقاً للمشاركة في برنامج التمكين الاقتصادي، حيث حصلت على عدة خياطة متكاملة لإطلاق مشروعها الخاص.
الآن، وبعد أن أصبحت مستقلة مادياً، تُعيل دينا نفسها وأسرتها. وتقول بكل فخر: "لقد كنتُ محطمة في يوم من الأيام، أما الآن فأنا مستقلة وسعيدة ومتحكمة في مستقبلي".
إلا أن هذا الشريان الحيوي يواجه اليوم تهديداً خطيراً، حيث أدى خفض التمويل إلى إغلاق 16 مساحة آمنة ومركز متخصص للصحة النفسية، مما يترك الناجيات بلا دعم نفسي واجتماعي وبلا رعاية متخصصة، ليواجهن بمفردهن آثار العنف وسوء المعاملة.

3. تفاقم النقص في أعداد القابلات
في اليمن – حيث تحدث ست من كل عشر ولادات دون وجود قابلة ماهرة - يُخلف النقص في أعداد القابلات تأثيرات عميقة. امتهنت القابلة نسيم هذه المهنة بعد أن شهدت ولادة متعسرة خرجت منها الأم وهي مشلولة بسبب نقص الرعاية الطبية في قريتها النائية. وتتذكر نسيم ذلك الموقف قائلةً: "لقد هزني ذلك المشهد حتى النخاع، ولم أكن أريد لأي امرأة أخرى أن تُعاني بسبب نقص الرعاية الملائمة".
لقد أدت الاستثمارات في مجال القبالة إلى انخفاض 65 بالمئة في وفيات الأمهات داخل المرافق الصحية على مدى السنوات الثماني الماضية. ولكن الدعم المقدم للقابلات يتعرض الآن للتقليص، مما يعني أن ما يُقدر بنصف مليون امرأة سيلِدن دون الرعاية الطبية الأساسية، وهو ما سيبدد المكاسب التي تحققت بشق الأنفس.
- وقُّف جهود إعادة بناء النظم الصحية
ما يزال نظام الرعاية الصحية في اليمن منهكاً للغاية. فنحو 40 بالمئة من المرافق الصحية في البلاد تعمل بشكل جزئي أو أنها خارج الخدمة تماماً بسبب النقص في الكوادر والتمويل والكهرباء والأدوية والمعدات، مما يترك الملايين دون رعاية كافية.
وتواجه ما يقرب من 5 ملايين امرأة في سن الإنجاب، بمن فيهن حوامل ومرضعات، تحديات في الحصول على خدمات الصحة الإنجابية، خاصة في المديريات الريفية وتلك الواقعة على خطوط التماس، بسبب عدم توفر الطبيبات والممرضات المتخصصات، ونقص المستلزمات الطبية الأساسية، ومحدودية الخدمات.
"كنت أخشى ألا أنجو من حملي، ولكن الرعاية التي تلقيتها في الوقت المناسب في المركز الصحي أنقذتني أنا وطفلي"، هكذا تروي زينب -28 عاماً-من مديرية الخوخة تجربتها.
واجهت زينب التي كانت حاملاً بطفلها الرابع مضاعفات خطيرة أثناء الولادة. فبسبب فقر الأسرة الشديد، عانت من سوء تغذية حاد وفقر دم شديد طوال فترة حملها ما هدد حياتها وحياة طفلها أثناء الولادة.
بسبب تخفيضات التمويل، اضطر صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى سحب الدعم الحيوي المقدم للمرافق الصحية و14 فريقاً متنقلاً كانت تصل إلى النساء والفتيات في بعض أبعد المناطق في اليمن، وكذلك الدعم المقدم للقابلات. وقد فقدت حوالي 1.5 مليون امرأة وفتاة إمكانية الحصول على الخدمات المُنقذة للحياة. ويمكن أن تؤدي التخفيضات الأكبر في المساعدات إلى إغلاق أكثر من 700 مرفق صحي في البلاد، وحرمان ما يقرب من سبعة ملايين شخص من الحصول على الرعاية المُنقذة للحياة.
- عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى النساء والفتيات المحتاجات
كانت سُعاد-45 عاماً- وأطفالها السبعة يأوون إلى كوخ طيني بنوه بأنفسهم، قبل أن تهدمه السيول العارمة. وتساءلت قائلة: "لقد أصابتني الصدمة، ما الذي تبقى من حياتي ليُدمَّر؟". كانت أسرتها قد نزحت من قبل بسبب النزاع، وتوفي زوجها مؤخراً بسبب مرض في الكلى.
التقى فريق الاستجابة السريعة بأسرة سُعاد أيضًا، والتي قالت: "لقد تفاجأت عندما جاء فريق الاستجابة السريعة وقدم لنا هذه المستلزمات، لم أتوقع وصولهم بهذه السرعة".
وقالت سُعاد عند استلامها حقائب آلية الاستجابة السريعة: "هذا يمنحني الأمل في أن وضعنا يمكن أن يتحسن".
تضمن آلية الاستجابة السريعة التابعة للأمم المتحدة في اليمن - التي يقودها صندوق الأمم المتحدة للسكان بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي وصندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ - وصول المساعدات المُنقذة للحياة في غضون 72 ساعة من وقوع حالة طارئة.
لقد فقد الآن ما يقرب من 220,000 نازح إمكانية الحصول على الإغاثة الطارئة المُنقذة للحياة بسبب نقص التمويل، مما يقطع في كثير من الأحيان الوسيلة الوحيدة للإغاثة لمئات الآلاف من الأسر النازحة في اليمن.
لم تتلقَّ مناشدة صندوق الأمم المتحدة للسكان لليمن لعام 2025 - والبالغة 70 مليون دولار - سوى 36 بالمئة فقط من المبلغ المطلوب.